أكثر من 150 شخصاً، معظمهم أطفال ونساء، غرّر بهم المهربون وعبروا بهم الحدود عبر مناطق جردية، حيث داهمتهم العاصفة الثلجية. عدد الضحايا وصل الى 13، حتى يوم أمس، فيما ترجح مصادر فرق الإنقاذ العثور على مزيد من الجثث بعد تحسن الأحوال الجوية
لم يكن دفء حضن والدة شيماء كافياً لإبقاء الروح في جسدها. قتل الصقيع ابنة العامين، مع 12 آخرين، أثناء محاولتهم عبور الحدود اللبنانية السورية في جبل الصويري في البقاع الغربي. هرب هؤلاء من الموت في سوريا ليجدوه يتربّص بهم على علوّ 1500 متر في عزّ العاصفة التي ضربت المنطقة منذ ليل أول من أمس. ليس الصقيع وحده من قتل هؤلاء، بل أيضاً إجراءات الدولة اللبنانية التي لم ترفق تشدّدها في منع دخول النازحين السوريين عبر المعابر الرسمية مع إجراءات تحدّ من عمليات التهريب عبر المعابر غير الشرعية.
ومنذ ما قبل الأزمة السورية، لقي كثيرون، من بينهم مصريون وسودانيون وعراقيون، حتفهم أثناء محاولتهم عبور هذه المنطقة الجبلية الوعرة في مثل هذه الأيام من فصل الشتاء. وبعد الحرب السورية زادت أعداد السوريين الذين قضوا نتيجة الظروف المناخية الصعبة.
«مجزرة» أمس راح ضحيتها 13 شخصاً، بينهم ثلاثة أطفال، وثماني نساء، ورجلان، مع ترجيحات بوجود ضحايا آخرين لم يُعثر عليهم بعد بسبب الطبيعة الجردية للمنطقة وصعوبة تحرك فرق الإنقاذ.
وتبين أن جميع الضحايا عبروا الأمن العام السوري في جديدة يابوس أول من أمس بطريقة قانونية، إذ عثر في حوزتهم على قسائم خروج. ولدى وصولهم الى نقطة الأمن العام اللبناني وعجزهم عن تأمين المبالغ المفروض أن يحملها كل وافد سوري تحت مسمّى «سائح» (2000 دولار)، اصطادهم سماسرة المهربين. يُضاف إلى ذلك أن بعض السوريين يغادرون لبنان بصورة غير شرعية، لكي لا يفقدوا صفة «لاجئ» لدى عدد من المنظمات الإغاثية في ما لو تبيّن أن في مقدورهم العودة إلى بلادهم. وعندما يقررون الرجوع إلى لبنان، فإنهم يمرّون بصورة قانونية بالمعبر الحدودي السوري، من دون التقدّم من مراكز الامن العام اللبناني، لكي لا ينكشف أمر خروجهم خلسة من لبنان، فيتم منعهم تالياً من الدخول.
ضحايا يوم أمس تم نقلهم إلى طريق محاذية للمواقع العسكرية السورية، وصولاً الى وادي الرصاص، في المنطقة الفاصلة بين جرود الصويري والجرود السورية. هناك، تم تجميعهم حتى وصل العدد إلى أكثر من 150 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال. وفي الرابعة صباحاً، بدأ المسير بعدما أُوهم الضحايا بأن المسافة قريبة ولا تتطلب جهداً كبيراً. ومع وصولهم الى جبل الصويري، اشتدت العاصفة الثلجية فبدأوا يفقدون أثر بعضهم بعضاً وتاه معظمهم بسبب انعدام الرؤية.
في السابعة صباحاً، أبلغت إحدى دوريات الجيش اللبناني عن وجود جثة في جرد الصويري، فتوجّه فريق من مركز الدفاع المدني في نقطة المصنع الحدودية إلى المكان. وأثناء البحث عثروا على ست جثث أخرى وعدد من المصابين، فبدأت عملية بحث موسعة شارك فيها الجيش وشعبة المعلومات والدفاع المدني، وتم العثور على مزيد من الجثث التي نقلت إلى مستشفيات المنطقة. وقالت مصادر طبية ان الوفيات ناجمة عن توقف مفاجئ في القلب بسبب الجهد العالي وتجمد في الشرايين، ما أدى إلى سكتات قلبية.
وواجهت القوى الأمنية صعوبة في تحديد هوية أصحاب الجثث لأن بعضهم لم يكن في حوزته هويته، فيما عُثر على حقيبتين تحتويان على عشرات الهويات وإخراجات القيد. كما علمت «الأخبار» أن الجيش اللبناني عثر خلال البحث على أكثر من 70 شخصاً كانوا تائهين في الجرود. ورجح مصدر أمني أن يكون هناك مزيد من الجثث، إذ «لم تستطع فرق الدفاع المدني ورجال الأمن والجيش الوصول إلى كامل المنطقة لعدم وجود إمكانات لوجستية للتعامل مع مثل هذه الكوارث في مثل هذه الظروف المناخية الصعبة». ولفت مسؤول في الدفاع المدني الى أن رجال الإنقاذ واجهوا صعوبات كبيرة نتيجة تراكم الثلوج والوحول.
مصادر أمنية قالت لـ«الأخبار» إن العثور على جثث في مناطق جبلية حدودية بات شبه يومي في الآونة الأخيرة، بسبب محاولات العبور الى لبنان بطرق غير شرعية، فيما القوى الأمنية عاجزة عن سد الثغر الجبلية المتاخمة للحدود، ومنها ما هو قريب حتى إلى المراكز العسكرية.