لعلّ الجرّافة المزنَّرة بالأعلام الخضراء التي نزلت إلى أحد شوارع بيروت أمس كانت الأكثر تعبيراً عن حجم الغضب والغيظ المعتمل في صدور الحركيين تجاه الوزير جبران باسيل، ومن خلفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. «انتفض» جمهور حركة أمل لـ«كرامة» رئيس مجلس النواب نبيه برّي، رافعين شعار «البلطجي جبران». تداعى مناصرو «الأستاذ» للنزول في معظم المناطق لقطع الطرقات احتجاجاً على الإهانة التي وجهها إليه باسيل.
«لن تمرّ هذه الإهانة من دون اعتذار». «كما أساء، عليه أن يعتذر، بالطريقة والأسلوب نفسيهما». هذه حال عشرات الوافدين إلى الشارع. «لم نطلب من أحد النزول»، يقول أحد الحركيين الفاعلين، مؤكداً أنّ تحرّكات أنصار بري «كانت عفوية، منظمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتساب».
بدأت القصة قبيل منتصف ليل الأحد. وما كاد ينتشر الفيديو المسرَّب لباسيل حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بـ «هاشتاغ»: «البلطجي جبران». القصف المركّز على الجبهة الافتراضية أُتبِع بهجوم شرس من نوّاب حركة أمل ووزرائها في تصريحات نارية. لم يكفِ الكلام. لكن ما يجعل من الصعب التصديق أن الدعوة للنزول إلى الشارع لم تكن بقرار مركزيّ من الحركة، أنّ التظاهرات شملت غالبية المناطق التي لـ«أمل» وجود شعبي فيها. يُضاف إلى ذلك أن قيادة الحركة أفسحت في المجال أمام تدخّل رئيس الجمهورية لـ«لَمّ المشكلة».
وبعدما ظهر أن عون آثر الصمت، وهو ما فسّرته قيادة الحركة تغطية لباسيل، بدأت التحركات قرابة الساعة الرابعة عصراً. وبتمام الخامسة، تجمهر حشد من «مُحبِّي الرئيس بري» أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. الرايات الخضراء جابت شوارع بيروت. من الطيونة وشاتيلا إلى السفارة الكويتية والمصيطبة ومار الياس مروراً بسليم سلام. تزامنت مع تحركات في ضاحية بيروت الجنوبية. وكما في بيروت، كذلك في البقاع والجنوب. من وادي الزينة إلى النبطية وصور، وصولاً إلى الكورة. تداعى الغاضبون إلى الشارع رافعين أعلام حركة أمل ولافتات التأييد لرئيس مجلس النواب، وتلك التي تشتم وزير الخارجية ورئيس الجمهورية أيضاً. ولم تخلُ بعض الشعارات من شتائم ذكورية مسيئة إلى عون وبناته. المشهد الذي كان أشد خطورة تجسّد أمام المركز الرئيسي للتيار الوطني الحر في سنتر ميرنا الشالوحي. هناك وقع إطلاق النار. تبرّأ الجميع من الحادثة. بضع ساعات بدأت تتردد أخبار عن طلب حركة أمل من مؤيديها الانسحاب من الشارع، لكن مصادرها كانت تؤكد أنّ قيادتها لم تطلب من أحد النزول لتطلب منهم الانسحاب.
لا توجد صورة واضحة عن أُفق الأزمة. مصادر حركة أمل تؤكد أن «لا نية لدى القيادة للتصعيد في الشارع». ترى هذه المصادر أنّ الأزمة في جوهر المعادلة: الطائف أو ما قبل الطائف. وذلك يُحل في مجلس النواب. لكن قبل ذلك، المعادلة واضحة بالنسبة إلى الحركيين: «على المسيء أن يعتذر أمام لبنان كلّه».