الخلاف بين حركة أمل والتيار الوطني الحرّ، لم يكن هو «أولوية» المُجتمعين في لقاء الحدت أمس. التركيز كان على حماية التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، كما لو أنّه هو الذي تعرّض للاهتزاز
النائب علي بزّي في بلدة الحدت. لم يأتِ «مُتضامناً»، بل ليُشارك في «لقاء الصفّ الواحد». ليس بزّي نائباً عن منطقة بعبدا، كما أنّ حركة أمل غير مُمثلة نيابياً في هذا القضاء. إلا أنّ قيادته اختارته، لينوب عنها في «لقاء المصارحة» الذي عُقد أمس في بلدية الحدت، بسبب علاقته الجيدة بكوادر ومسؤولي التيار الوطني الحرّ. وجوده بين حليفه النائب علي عمّار، وصديقه النائب ألان عون، وحضور النواب: حكمت ديب، ناجي غاريوس وفادي الأعور، وفاعليات المنطقة من رؤساء اتحاد بلديات ورؤساء بلديات ورجال دين، لم يُسهّل الأمر على بزّي.
على الأقل، هذا ما عكسته ملامح وجهه المُتجهّم وعيناه المُحمرتان، وحركات جسده: لم يتوقف عن هزّ رجله. الأكثر ارتياحاً بين الموجودين، كان عمّار، على الرغم من السعال الذي قاطعه مراتٍ كثيرة خلال إلقائه كلمته.
السيناريو الذي أدّى إلى عقد لقاء يوم أمس، يتكرّر في كلّ مرّة. خلافٌ سياسي، «تتلقّفه» القواعد الشعبية، التي يتبرأ المسؤولون منها، فتنزل إلى الشارع غاضبة من «إهانة» زعيمها. تتطور الأمور، إلى أن تصل إلى حدودٍ خطيرة تُعيد معها إلى اللبنانيين ذكريات الحرب. أمام هذه الأحداث، تجد القوى السياسية ضرورة في التحرّك، لامتصاص غضب الناس الذين حرضتهم بعضهم على البعض الآخر. ولا بُدّ في هذه المناسبات من استعادة مُفردات العيش المُشترك، والوحدة، ودرء الفتنة، والحفاظ على الاستقرار.
هكذا، كانت ليلة الأربعاء في الحدت، سوداء، حين تواجه شارعَا حركة أمل والتيار الوطني الحر. وكان «الاحتواء» من خلال لقاء أمس، وأتى استكمالاً للجهود التي قام بها حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله، التي أدّت إلى اتصال الرئيس ميشال عون برئيس مجلس النواب نبيه برّي.
منذ أول من أمس، والنائبان عمّار وعون يُنسقان من أجل احتواء الأحداث، «انطلاقاً من وجود مسؤولية مشتركة بضرورة الحفاظ على ما بُني خلال 12 سنة. السكوت والاكتفاء بمشاهدة ما يجري، كان سيُطيح كلّ شيء»، استناداً إلى المصادر. حُدّد موعدٌ أول، مساء الخميس لتنظيم «وقفة تضامنية مع أهالي الحدت». إلا أنّ حركة أمل اعتبرت، بحسب المعلومات، أنّ استخدام عنوان التضامن مع أهالي الحدت يولّد انطباعاً بأنّه يوجد فريقٌ تهجّم على المنطقة وأساء إليها. أُلغيت الوقفة التضامنية من قِبل التيار الوطني الحرّ، وتحول التحرّك إلى «وقفة إنسانية ووطنية» في مبنى البلدية. ثمّ ظهرت اعتراضات/ عرقلات «شكلية» عديدة: مَن يصل أولاً، ساعة اللقاء... تولّى «الحاج علي (عمّار)» حلّ هذه «التفاصيل»، لتكن النتيجة وصوله إلى بلدية الحدت برفقة بزّي، الذي لم يستطع أن يفلت من قبلات حكمت ديب الترحيبية.
رافق النائبين وفدٌ من رؤساء وأعضاء بلديات في الضاحية الجنوبية، قسمٌ منهم جلس على الطاولة إلى جانب النواب ورئيس بلدية الحدت جورج عون، والقسم الثاني اصطف خلف «طاولة الرسميين»، المُزينة بالورود الزهرية.
بعد ترحيب «صاحب الدار» بزواره، تحدّث عمّار عن أنّ حضورهم هو «لنقول سحقاً لكل مريدي الفتنة... وعشية الإنجاز الإنساني والتاريخي والوطني الكبير، ورقة التفاهم، أقول إنّها باقية باقية باقية ما دامت الدماء تسري في عروقنا». من جهته، وصف عون اللقاء بأنّه «رسالة معاكسة لما حصل في الأيام الماضية. هي رسالة إلى جماهيرنا، الذين عن وعي أو غير وعي، زادوا الانقسام وارتكبوا إساءات بحق البعض... رسالة إلى حركة أمل ودولة الرئيس نبيه بري، بأنّ كرامته من كرامتنا، ولن نسمح لأي إشكاليات بأن تؤدي إلى شرخ على المستوى الوطني وسنبقى شركاء... رسالة إلى حزب الله، بأننا مؤتمنون على تفاهم مار مخايل».
أما كلمة بزّي، فلم تخلُ من الرسائل الضمنية إلى الوزير جبران باسيل، حين قال إنّه «كنا نملك من الشجاعة والجرأة والأخلاق وحسّ المسؤولية أن نُعلن باسم برّي أمام كل اللبنانيين عن اعتذارنا. لدينا الجرأة بأن نعتذر من بعضنا البعض لأن أولويتنا في مكان آخر، في تدعيم أواصر الوحدة الداخلية، ومواجهة التحديات الخطيرة التي يواجهها البلد وفي طليعتها الأطماع الإسرائيلية». ورداً على سؤال، أجاب بزّي «لا نريد ولا ننتظر ولن نقبل اعتذاراً من باسيل. الاعتذار يكون من اللبنانيين».
إشكال الحدت ليل الأربعاء، كان جرس الإنذار لحزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، بأنّه يجب وضع حدّ للفلتان في الشارع. الخلاف في الأصل، هو بين حركة أمل والتيار العوني، إلا أنّ اللافت كان عدم إيلاء أهمية لكيفية حلّ الإشكال، وتركيز عمّار وعون خلال كلمتيهما على وضع التفاهم بين «الحزب» و«التيار». التأكيد مراراً على بقاء هذا التفاهم، دليلٌ على جدّية المخاطر المُحدّقة به، ولا سيّما بعدما تبيّن أنه لم يعد في إمكان عونيين كثر التفريق بين حركة أمل من جهة، وعموم الطائفة الشيعية ومنها حزب الله، من جهة أخرى. وشكّل ذلك ذريعة لبعض هؤلاء لتحميل حزب الله جُزءاً من المسؤولية، من خلال الإيحاء بأنّ خلافهم مع حركة أمل، ينعكس سلباً على التفاهم، لذلك يجب عليه الخروج من دائرة الحياد والمُبادرة. صورة الحلفاء الثلاثة شابكين أياديهم، أمس، ساهمت في معالجة ذيول الإشكال في الشارع، ومنع انحداره أكثر. إلا أنّها لم تطوِ بعد الخلاف السياسي بين حليفَي حزب الله. صورة الوزير جبران باسيل مطلاً عبر الشاشة في مؤتمر أبيدجان، خير دليل على ذلك.