لا يُمكن مقارنة تفاهم مار مخايل بأي اتفاق «مصالحة ــ مصلحة» قام به التيار الوطني الحر لاحقاً، إن كان مع القوات اللبنانية أو تيار المستقبل. تحالف «استراتيجي»، حقّق العديد من الانتصارات، ولكنّه اليوم تحت مجهر الاختبار. التباينات بين حزب الله والتيار العوني لا تُفرح إلا «الأعداء»

في عام 2012، تحولت قضية المياومين من مشكلة عُمالية إلى خلاف سياسي بين التيار الوطني الحرّ وحركة أمل، زُجّ حزب الله في وسطه. فصول حادثة عامذاك، تُشبه إلى حدٍّ كبير ما حصل في الأسابيع الماضية، بدءاً من الخلاف حول مرسوم الأقدمية، وصولاً إلى نعت الوزير جبران باسيل لرئيس مجلس النواب نبيه برّي بـ«البلطجي» والانفلات في «الشارعين». أصابع 8 آذار اللائمة، اتجهت في الـ2012، صوب باسيل، مُحمّلة إياه مسؤولية ما حصل.

وقيل إنّ خلاف المياومين حاجة عونية يوظفها «التيار» في الانتخابات النيابية التي كان من المُفترض أن تحصل عام 2013، ولا سيّما أنّ ذلك الخلاف ساهم في رفع أسهم النائب (حينها) ميشال عون في «الشارع المسيحي». ترافق ذلك مع كلام عالي السقف من قِبَل قياديين وكوادر في التيار الوطني الحرّ، بحقّ حزب الله.
ستّ سنوات مرّت على هذه الحادثة، التي تركت ندوباً في العلاقة بين حزب الله والتيار العوني، من دون أن تكون عِبرة للطرفين. وبعد 12 سنة على تفاهم مار مخايل، لم يرتقِ التنسيق بين الحليفين إلى المستوى «الاستراتيجي». فلا الخلاف بين حركة أمل و«التيار» حُلّ، ولا يبدو أنّ هناك رؤية موحدة لإدارة السلطة المحلية، حتّى أنّهما لم يُناقشا يوماً مسائل عقائدية كالنظرة إلى العدّو الاسرائيلي خارج الحدود اللبنانية، بحسب ما كشف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في حديثه إلى قناة «الميادين».
خضّات كثيرة مرّ بها التفاهم، كانت في كلّ مرّة تُطوى بلقاءٍ بين باسيل ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، أو المعاون السياسي لنصر الله، حسين الخليل، أو نصر الله نفسه. وعلى مرّ «الخضّات»، لم يلجأ الحليفان إلى تقويم علاقتهما وتطويرها وتصحيحها، ما يُعيق تقدّم التفاهم ويصونه. تراكمت الملفات الخلافية على كلّ المستويات: المياومون؛ ممارسة قسم من العونيين ضغوطاً على حزب الله بسبب موقف برّي الرافض لانتخاب عون رئيساً؛ قانون الانتخابات؛ إدارة ملفات الحكومة والشراكة داخل مجلس الوزراء بين «التيار» وتيار المستقبل؛ مُشاركة رئيس التيار الوطني الحرّ في لقاء تضامني مع بشير الجميّل في الأشرفية غداة الحُكم بالإعدام على حبيب الشرتوني؛ انجرار باسيل (رغم عدم التشكيك في مواقفه الوطنية، ووثائق ويكيليكس بعد حرب تموز شاهدةٌ على ذلك) خلف الفريق الذي «يُسخّف» محاولات التطبيع الثقافية مع العدو الصهيوني؛ مرسوم الأقدمية؛ تحميل حزب الله مسؤولية عدم بناء الدولة؛ والتعرّض بـ«الشخصي» لبرّي، وهي النقطة التي أفاضت كأس الاختلافات بين «الحزب» والتيار العوني. من هنا، بات السؤال عن «الهدف» من تفاهم مار مخايل، ومدى صموده مشروعاً. هل يُشكّل وجود الرئيس عون ضمانته الوحيدة؟ وهل ما زالت القيادة البرتقالية «مؤمنة» بأهمية التحالف مع حزب الله، أم تعتبر أنّها نالت منه ما تبغيه (انتخاب عون) وباتت الأولوية لتفاهمات أخرى؟ وهل باسيل بعد خطابه الداعم للقضية الفلسطينية في الجامعة العربية، «يُحاول إعادة التموضع، وتوجيه رسائل طمأنة إلى قوى دولية وإقليمية تحضيراً لمعركته الرئاسية، مُتكلاً في المقابل على أنّ حزب الله لن يتخلّى عن التفاهم مع التيار»؟ وفي السياق عينه، يقول مُطلعون على أجواء وزير الخارجية إنّه «يُدرك حاجته إلى حزب الله في معركته الرئاسية، ولكن في بقية الملفات السياسية، أصبح لديه حسابات خاصة أقرب إلى تيار المستقبل».
لدى السؤال عن التفاهم بعد 12 عاماً كاملة على إعلانه، يُسارع الفريقان المعنيان إلى تأكيد أن «لا أحد يُمكنه الخروج من هذا التفاهم، لأنّ أسبابه الموجبة لا تزال قائمة. منذ الأساس لم نُقدّم نفسينا كفريق واحد. وقد مرّ في ظروف أصعب من التي نمرّ بها حالياً وأثبت قوة صموده، كحرب تموز، وأحداث 7 أيار 2008، ومشاركة حزب الله في الحرب السورية». إلا أنّ العونيين عاتبون. يقول مصدر في «التيار» إنّ الاختبار الكبير أمام تفاهم مار مخايل «يبرز حالياً بعد الاصطدام بيننا وبين حركة أمل، التي نعتبرها تُعيق تطور العهد الرئاسي. والرئيس عون لن يقبل أن يتحول حليف حليفه إلى عنصر إفشال للعهد والمؤسسات». حين وصل الأمر إلى ممارسة السلطة، «بدأ حزب الله يتحول إلى طرف، ينحاز في أغلب الأحيان إلى برّي، أو يبقى على الحياد. هذا الأمر يُعرّض التفاهم للاختبار».
تُشدّد البيانات الرسمية لـ«التيار» على التمسك بالتفاهم «الاستراتيجي» مع المقاومة، من دون أن يكون هناك ترجمة حقيقية لهذا الكلام. على العكس من ذلك، تُمعن القيادة العونية في «إحراج» حزب الله وتظهير التباينات بينهما. مصادر داخل فريق 8 آذار تبدأ بتقديم سرد للمحطات التي مرّ بها تفاهم مار مخايل، وبقي صامداً رغم أنّ «الجميع عَمِل على ضربه. أراد خصومه فرض حصارٍ اقتصادي على حزب الله، وتصنيفه ارهابياً، وفكّ ارتباطه بالمكون الوطني الأقوى في بيئته. حتى القوات اللبنانية حين احتفلت بـ«إعلان النوايا» مع التيار، اعتبرت أنّها بذلك تُبعده عن حزب الله. و(رئيس الحكومة) سعد الحريري أقنع حلفاءه بأنّه يستطيع سَحب عون إلى جبهته». ولكن، بعد 12 سنة، طرأ عامِلَان. الأول، «وجود فرق بالأداء السياسي والاستراتيجي بين الرئيس عون وباسيل. الثاني، عدم اقتناع باسيل بعد بأنّ حزب الله ليس وصياً على حركة أمل. مع العلم أنّ حزب الله أبلغ التيار قبل تفاهم مار مخايل، أنّ من غير الممكن أن يعلو أي تفاهم على تحالف حزب الله ــ حركة أمل». وتسأل المصادر: «كيف تَمَكّن التيار من مُصالحة سوريا التي كان يصفها بالاحتلال، والتفاهم مع القوات رغم الحروب بينهما، والالتقاء مع تيار المستقبل بعد أن فرّق بينهما «الإبراء المستحيل»، ويعجز عن التفاهم مع برّي؟».
إذا كان هناك إدراك لمدى انعكاس الخلاف بين «التيار» و«الحركة» على تفاهم مار مخايل، فلماذا لا يتدخل حزب الله ويضع حدّاً له؟ تُجيب مصادر 8 آذار بأنّ «حزب الله لا يتعامل مع حلفائه بالفرض، ولا يُمكن أن يتصرّف كما كان يفعل «السوري» في لبنان. لا توجد كيمياء بين التيار والحركة، ولكن يعمل حزب الله لإيجاد صيغة للعلاقة السياسية بين عون وبرّي». وما هي الخطوات التي ستُتخذ لصيانة التفاهم حتى لا يبقى مصيره مُهدّداً عند كلّ أزمة؟ «في شباط 2006، قُدّم نموذج فريد من نوعه، ولكن تنقصه المراسيم التطبيقية. يجب أن تُعقد ورشة عمل مشتركة، يتحدّث فيها الطرفان عن الأخطاء التي حصلت. ويجري خلالها التوضيح للتيار الوطني الحر أنه لا يجوز أن يعتبر أن حزب الله «في جيبته الصغيرة». وإذا حصل خلاف مع حركة أمل، فعليه الفصل بينها وبين بقية مكونات الطائفة الشيعية، وبأنّ حزب الله معني بالحفاظ على باسيل، ومُصرّ على علاقته بتيار ميشال عون، ولكن ليس على حساب برّي».

المصدر: ليا القزي - الاخبار