باسم الفدائي الذي صنع لهذا اليوم حكاية من رصاص ومن اشتباك، وباسم القلب الذي هتف له بالرضا ملوّحا أبيّا، وباسم الوالد الذي سبق الولد على طريق العشق الفلسطيني، باسم الحجارة التي لو نطقت للعنت مع الصهاينة كل عملاء ما يسمى بالتنسيق الأمني، باسم البيارات التي فوحها شهداء، وباسم الزيتون الذي يُعتصر من زيته نور يشير إلى الطريق.. أحمد نصر جرار، شهيد!
قد يبدو للبعض خبر استشهاد بطل فلسطيني خبرا عاديا، معتادا، يوميا.. إلا أن هذا الخبر وغيره من أخبار حكايات فلسطين مع الشهادة، يحتل دائما عناوين الأرواح التي قبلتها فلسطين، والعقول التي يقينها المقاومة.. لذلك، أحمد جرار، الشاب الذي قهر الجيش الذي قال عنه المهزومون إنه لا يقهر، الجيش الذي سلحته قوى العالم كله بأعتى الأسلحة، هو اليوم ابن كل قلب وجهته فلسطين.  هزم أحمد جيش العدو، فخافته سلطة التنسيق الأمني اللعينة، لتكون النتيجة خبرا يمزج الحزن  بالغضب:" إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلا عن ضابط في جهاز الشاباك: صحيح لقد أغلقنا الحساب مع أحمد جرار، لكن هناك الكثير من الأفراد الذين يحملون فكره من الخلايا النائمة، ستتواصل جهودنا لمنع القيام بعمليات في الضفة، ولولا المعلومات التي قدمها الجانب الفلسطيني لنا لما استطعنا مطلقاً الوصول لجرار الذي أغلقنا الحساب معه."

لم يبدأ أحمد جرار اشتباكه اليوم.. ولم ينته الحساب كما ادعى جيش العدو. 
من مثل أحمد، وما أكثرهم، يولدون في جهوزية الاشتباك، وتكون حياتهم محورا يولد منه الرصاص، وارواحهم سلاح لا يهزم.. وحين يرتفعون فوق أكف الشهادة، يصبحون ورودا على طول الطريق، الذي هو باتجاه واحد نحو فلسطين حرة محررة. استشهد أحمد، قاتل وصديقه سلاحه، وعيونه مصوبة نحو البلاد، كل البلاد. قاتل حتى آخر الطلقات قبل أن يلوّح بالروح لأرض فلسطين ويمضي إلى حيث سبقه ابوه، الشهيد نصر جرار، وعلى وقع نبض أمه الذي صاح قبل الاستشهاد "إذا سامعني يمه قلبي راضي عليك".

إذاً، بكثير من الفخر الجميل، وبكل ما أوتيت القلوب من اعتزاز، كان أحمد جرار الروح التي قاتلت حتى انتصارها شهادة.
أما في النظر الى المقلب الآخر، ولا نقصد هنا المقلب الصهيوني، فالعداء بيننا وبينه فطري وحتمي ونهائي، لا نحتاج التذكير به أو عرضه، بل نقصد المقلب الطاعن في الغدر وفي الخيانة، الحافل بالعملاء من مختلف الرتب التي أعلاها "رئيس". هؤلاء الذين يحاولون إثبات ولائهم للصهيوني كي يستمروا في مواقعهم المعادية للناس، للناس الحقيقيين في فلسطين.
قد يقول البعض إن السلطة الفلسطينية مجبرة على التنسيق الأمني.. صحيح، فهي كسلطة محلية تابعة بشكل وظيفي لسلطة المحتل، وطبيعة صلاحياتها ليست بالشكل أكثر من صلاحيات بلدية، وبالمضمون ليست أكثر من جهاز أمن داخلي مهمته التبليغ عن الفدائيين ومساعدة الصهاينة في اعتقالهم أو قتلهم.. كل ما تفعله السلطة عدا ذلك هو مجرد تفاصيل الهدف منها تسكين وجع الناس، كذبا، وايهامهم بما سمي المسار السلمي.
لذلك، لا يمكن النظر إلى المدعو ابو مازن كرئيس دولة تحت أي ظرف من الظروف، فهو مجرد واجهة لمجموعة من المرتزقة تجار الدم وواهمي السلطة.. هو مجرد موظف على رأس هرم وظيفي مهمته تقديم التسهيلات للصهاينة ليكون  الشكل الآخر لجهاز المستعربين، والوجه "العربي" للاحتلال ومستلزماته.
من هنا، لا عتب على ابو مازن وازلامه، فهم من طينة لوثتها الخيانة فانقسمت عن تراب فلسطين.. من مثلهم لا يجد في الفدائيين الا خطرا حقيقيا على وجودهم، ولدرء هذا الخطر كانت لعبة التنسيق الأمني تعود بالفائدة عليه كجهاز مخبرين وعلى الصهاينة كسلطة احتلال. وكل حديث عن كون هذا التنسيق ضرورة أمنية للفلسطينيين هو كفر وطنية وخيانة عظمى.
إذاً، ليس من المنطق أن يتفاجأ احد بدور السلطة الفلسطينية في كشف مكان أحمد جرار فجر اليوم، وتلك ليست المرة الأولى التي يقوم بها العملاء، سواء كان اسمهم مرتبطا برتبة عسكرية في سلم السلطة الفلسطينية أو كانوا مجرد مخبرين مباشرين لجيش الاحتلال، بكشف كل ما يتعلق بالفدائيين الفلسطينيين. فالرصاصات التي تلقاها باسل الأعرج في صدره، مشتبكا مقاتلا، ما زالت ساخنة، وما زالت عيناه تحدقان في أرض ولادة لا تتعب ولا تشتكي. 
أحمد نصر جرار، حلت العتمة على البيوت الآن، وما زالت عيون العملاء تبحث عن رفاق لك لم يشتبكوا بعد.. أخبرهم من سمائك، ما إن يفرغ أبوك من شمك، ومن ضم جراحك حيث تموضع الرصاص، أخبرهم كيف شكل فلسطين من السماء، وأخبرهم انك من هناك تشهد كيف يزول الاحتلال، طلقة تلو طلقة، واشتباكا بعد اشتباك. وأخبر السماء عنا، وأخبر الشهداء عنا،  نحن الذين سكنت قلوبنا منذ انتزعت يداك روح صعيوني مستوطن، وقهرت الجيش المحتل ذا العديد والعدة. أخبرهم أن يعذرونا ان لم نمتلك الا الكلمات نشد فيها على يدك، ونقبل فيها طهر جبينك الحر. واخبرهم أن قلوبنا في الليل كانت تهرع إلى خطوك عسى تحرسك قليلا من غدر نعرف أنه متربص بك. يا احمد، الشهيد، ابن الشهيد، قد حل الليل، وانت في آخر درب النصر والحرية،  فنم أمينا هانئا.. بطلا مكللا بالبارود، وبالعز، وبالوعد الفلسطيني.
 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع