لم تمنح سورية «إسرائيل» فرصة تكريس إطلاق الصواريخ من الأجواء اللبنانية، كبديل لعجزها عن دخول الأجواء السورية، واعتبار الأمر الواقع بمثابة قواعد اشتباك جديدة، فبعدما نجحت سورية بفرض معادلتها لقواعد الاشتباك ومنع «إسرائيل» منذ سنة عن دخول أجوائها وأنهت مرحلة التمادي «الإسرائيلي» باستغلال نتائج الحرب وجعل الأجواء السورية مسرحاً لسلاح الجو «الإسرائيلي»، ارتدعت «إسرائيل» عن التحليق في الأجواء السورية، ورضخت لمعادلة الردع الجديدة، وحاولت الاكتفاء بمدى للحركة بعمق ستين كليومتراً من الحدود السورية مع الجولان المحتلّ ومع لبنان. وأمس نجحت سورية بفرض الانتقال للمرحلة الثانية من قواعد الاشتباك التي تكرّسها بدفاعاتها الجوية عبر إسقاطها لأغلب الصواريخ التي استهدفت مواقع سورية شمال دمشق، بصواريخ الدفاع الجوي السوري، في ما وصفته مصادر عسكرية متابعة لـ «البناء» مقدّمة لنصب جدار صاروخي للدفاع الجوي السوري يتيح استهداف الطائرات الإسرائيلية المغيرة وهي في الأجواء اللبنانية، بينما تستثمر سورية جهدها العسكري الرئيس في ما تعتقد أنه أكثر ما يزعج «إسرائيل» لجهة تقدّم الجيش السوري في جبهات المواجهة مع الجماعات المسلحة التي تعتبرها «إسرائيل» علناً حليفاً لها وفي مقدّمتها جبهة النصرة، التي وصفها القادة «الإسرائيليون» بالجهة المعتدلة التي تأتمنها «إسرائيل» على حدودها، وهي الجهة التي جاءت التدخلات «الإسرائيلية» دائماً لتقديم الدعم والعون لها ورفع معنوياتها.

حال الارتباك «الإسرائيلية» وما نتج عنها من لا توازن وحركة تصعيدية، كان لبنان الطرف المقابل فيها خلال الأيام الماضية بالتوازي مع الغارات التي استهدفت سورية من الأجواء اللبنانية، وتواصلت تداعيات التهديدات «الإسرائيلية» للبنان في ملف ثروته النفطية، وفتح ملف نزاع حول حقّ لبنان في استثمار البلوك التاسع من مياهه الإقليمية، كما تواصل التجاذب اللبناني «الإسرائيلي» حول الجدار الإسمنتي الذي يبنيه جيش الاحتلال في المناطق التي يسجل لبنان تحفظه عليها في ترسيم الحدود، وإبلاغه الأمم المتحدة اعتباره فرض أيّ أمر واقع عليها اعتداء موصوفاً وخرقاً للقرار الأممي 1701.

قرّر لبنان في مواجهة المخاطر والتحديات أنه لن يتنازل عن ذرّة من حقوقه ولن يفاوض عليها، وهي حقوق ثابتة، لا شبهة تحيط بها. هذا ما تبلّغه معاون وزير الخارجية الأميركية دايفيد ساترفيلد من المسؤولين اللبنانيين، رغم تهويلات ساترفيلد بخطر

اندلاع حرب، وجاء بيان المجلس الأعلى للدفاع بتفويض الجيش اللبناني باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة أيّ محاولة «إسرائيلية» لفرض أمر واقع في الجدار الإسمنتي، مدعوماً بإجماع الرؤساء الثلاثة في اجتماعهم أول أمس، أوّل موقف لبناني رسمي من نوعه يضع «إسرائيل» والدعم الأميركي لها أمام مفترق طرق، بين خوض المواجهة أو التراجع عن محاولات فرض مفاوضات مرفوضة على حقوق ثابتة.

مصدر أمني بارز قال لـ «البناء» إنّ لبنان جاهز لكلّ الاحتمالات بما فيها المواجهة، وإنّ احتمالات الحلحلة تبقى واردة لأنّ الحق اللبناني واضح ولا يحتمل أيّ التباس، بينما قالت مصادر سياسية مطلعة إنّ الأجواء ملبّدة والمخاطر بالانزلاق للمواجهة قائمة، إذا أصرّ الأميركيون على ابتزاز لبنان لجرّه إلى التفاوض وما يعنيه من طعن بالحقوق اللبنانية رغم وضوحها. ورجّحت المصادر أن يستمرّ التوتر حتى زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لبيروت في الخامس عشر من الشهر الحالي، حيث يظهر عندها حجم المسافة التي يمكن لـ«الإسرائيلي» قطعها نحو التورّط في مواجهة، لا يريدها لبنان، لكنه جاهز لها، في ظلّ وحدة سياسية وشعبية غير مسبوقة حول خيار المواجهة، وتصدّر الدولة والجيش لهذه المواجهة، ومن ورائهما الشعب والمقاومة.

عون يوقّع اليوم مرسومي الأقدمية والترقيات

لا يزال اللقاء الرئاسي في بعبدا أمس الأول، يُرخي بظلاله على المشهد السياسي الداخلي لما حمله من نتائج إيجابية في مختلف الملفات الخلافية التي أوصلت البلاد حافة الحرب والفوضى. وقد بدأت الترجمة العملية للاتفاق بمخرجٍ توافقي وآمن ضمن نطاق الدستور والقانون لمرسوم الأقدمية لضباط دورة 1994 وفق اقتراح رئيس المجلس النيابي نبيه بري دمج مرسومي الأقدمية والترقيات في مرسوم واحد وقّعه وزير المال علي حسن خليل ووزير الدفاع يعقوب الصراف ورئيس الحكومة سعد الحريري على أن يوقّعه رئيس الجمهورية اليوم بعد أن وصل الى بعبدا مساء أمس.

وأوضح وزير العدل سليم جريصاتي ، في تعليق عل مواقع التواصل الاجتماعي، على أنّ «مرسوم منح القدم للترقية، سلك مسلكه الدستور ي الصحيح الّذي تكلّل بتوقيع رئيس الجمهورية ميشال عون ، وصدر مرسوم الترقيات مذيلاً بتوقيع وزير المالية علي حسن خليل حسب الأصول، بعد عطفه على مراسيم منح القدم ذات الصِلة، بما فيها مرسوم منح القدم الأخير النافذ»، مشيراً إلى أنّ «الحل دستوري وقانوني ولا تسويات في الدستور». أما وزير المال فقال: «وقعنا اليوم المرسوم الواحد للأقدميات والترقيات لمصلحة لبنان ومؤسسته العسكرية ولمصلحة الجميع».

بري: القطار عاد إلى سكّته الصحيحة

لقاء بعبدا ونتائجه الإيجابية، حضرت في لقاء الأربعاء النيابي، حيث أطلع الرئيس بري النواب على أجوائه، معرباً عن ارتياحه للنتائج التي انتهى اليها. ونقل النواب عنه أنه «جرى الاتفاق على الآلية وفق الأصول الدستورية والقانونية لمعالجة الملفات والقضايا العالقة»، وقال «تبقى دائماً العبرة في التنفيذ».

وجدد رئيس المجلس تأكيد الإسراع في درس وإقرار الموازنة في مجلس الوزراء كي يتكمن المجلس النيابي الحالي من إقرارها قبل الانصراف الى التحضيرات الإنتخابية. والخشية بعد ذلك من ان يطول الوقت حتى تستحق موازنة الـ 2019 فلا نريد أن نعود للدوّامة القديمة.

وعلمت «البناء» أن «الرئيسين عون والحريري اتفقا مع بري على فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي خلال الأسبوعين المقبلين لاستغلال الوقت وإنجاز بعض القوانين في المجلس لا سيما قانون الموازنة قبل انصراف النواب الى حملاتهم الانتخابية، كما علمت أن الحكومة ستعقد جلسات مكثفة بدءاً من الاسبوع المقبل لدرس مشروع موازنة 2018 وإحالته الى المجلس النيابي لإقراره».

ونقل زوار رئيس المجلس عنه قوله لـ «البناء» إن «وزراء حركة أمل سيشاركون في جلسات مجلس الوزراء»، ولفتوا الى أن «بري وافق على تعديل المادة 84 من قانون الانتخاب المتعلقة بالبطاقة الممغنطة بناءً على إصرار الرئيسين عون والحريري لتجنّب الطعن في نتائج الانتخابات النيابية، علماً انه لا يرى أن التعديل ضرورة، لكنه لا يزال على موقفه الرافض لتعديل أي مادة أخرى من مواد القانون»، وأوضحت المصادر أن «مجلس الوزراء سيتكفل بإصدار مرسوم يُجيز عدم استخدام البطاقة الممغنطة لمرة واحدة فقط لتعذّر إنجازها على أن يتم استخدامها في انتخابات 2022».

ولفت الزوار الى أن «بري يعتبر أن قطار التسوية عاد الى سكته الصحيحة بعد لقاء بعبدا الرئاسي وتجاوز اللغم الدستوري الذي تفجّر في مرسوم أقدمية الضباط». ورجحت مصادر نيابية أن تنسحب الاجواء الإيجابية في لقاء بعبدا على العلاقة بين الرئيسين بري والحريري، واشارت لـ «البناء» الى أن «العلاقة عادت الى طبيعتها وأبواب عين التينة باتت مشرعة أمام بيت الوسط»، مشيرة الى أن «بري لا يقطع علاقته مع أحد، وعندما يتخذ موقفاً يتخذه من منطلق ترميم أو تصحيح خطأ ما»، مرجحة أن «يقوم الحريري بزيارة الى عين التينة في وقتٍ قريب».

واذ أشار الى ان «الموقف اللبناني موحّد تجاه التهديدات والاعتداءات الإسرائيلية اكان بالنسبة لموضوع الجدار أو بالنسبة للنفط والغاز، ركز على الذهاب الى مؤتمر باريس برؤية وطنية واضحة وموحدة لجهة ان يكون مجلسا الوزراء والنواب قد درسا كل المشاريع الممكن ان يقترحها بها لبنان في سياق هذا المؤتمر ونتائجه المالية والاقتصادية». أما بالنسبة لمؤتمر روما المخصص لدعم الجيش اللبناني فقال بري: «هناك موقف لبناني جامع للتركيز على نجاح هذا المؤتمر من أجل تعزيز قدرات الجيش في مواجهة التحديات والأطماع الإسرائيلية».

توقيت أميركي مشبوه

على صعيد آخر، أثار التوقيت المشبوه لزيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد ساترفيلد الى بيروت علامات استفهام عدة، في ظل الاعتداءات «الإسرائيلية» المتكررة ضد لبنان والتهديدات بشن عدوان جديد، وقد جال ساترفيلد على المسؤولين اللبنانيين، فزار الرئيس بري في عين التينة ووزير الخارجية جبران باسيل الذي وصف اللقاء بالجيد والجدّي. وفيما علمت «البناء» أن المسؤول الأميركي طرح على المسؤولين اللبنانيين الوساطة لفض الاشتباك الحدودي بحراً وبراً، أعلن وزير الطاقة «الإسرائيلي» «استعداد تل أبيب لقبول وساطة مع لبنان حول حدود المياه الاقتصادية».

من جهته أكد المجلس الأعلى للدفاع الذي اجتمع أمس، في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «أن الجدار الإسرائيلي على الحدود في حال تشييده سيعتبر اعتداء على السيادة اللبنانية وخرقاً للقرار 1701». وأشار في بيان الى أنه «تقرر اعطاء التوجيهات للتصدّي لأي محاولة إسرائيلية لتشييد الجدار على الحدود والاستمرار في التحرك على مختلف المستويات لمواجهة التصريحات الإسرائيلية عن البلوك رقم 9».

ووصفت مصادر عسكرية بيان المجلس الأعلى للدفاع بـ «المهم والحاسم إزاء رفض الضغوط والتهديدات «الإسرائيلية» والردّ على اي عدوان، ما يعني أن الجيش اللبناني سيردّ بالنار على أي خطوة «إسرائيلية» باتجاه الحدود البرية أو البحرية، وأما المقاومة فستقف خلف الجيش وستدخل في المواجهة إذا احتاج الأمر وفي الوقت المناسب».

وإذ من المتوقع أن يزور وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لبنان الخميس 15 شباط الحالي في اطار جولة على عدد من دول المنطقة، ربطت مصادر بين الزيارات الأميركية المتتالية الى لبنان وتوقيع الدولة اللبنانية عقود استخراج النفط مع الشركات الأجنبية الثلاث والاحتفاء به في البيال بحضور الرؤساء الثلاثة الجمعة المقبل.

وعلى الضفة المقابلة، باشر جيش الاحتلال «الإسرائيلي» أعمال بناء الجدار الإسمنتي في رأس الناقورة، وسط استنفار كبير، ورصدت مصادر أمنية وشهود عيان من بلدة الناقورة استقدام بلوكات من الإسمنت بقاطرات «إسرائيلية» الى نقطة الناقورة b- 23 المتنازع عليها، والتي تمتدّ الى المياه الإقليمية اللبنانية، وشوهد عناصر من سلاح الهندسة وآخرون من الصيانة يعملون على إنزال البلوكات في نقطة الناقورة قرب الخط الأزرق وسط استنفار «إسرائيلي» خلف الاحراج والصخور، فيما كانت الجرافات تستكمل بناء خندق الجدار الذي كانت أنجزت 40 في المئة منه سابقاً.

ولم تقتصر زيارة المسؤول الأميركي على عرض الوساطة الأميركية بين لبنان و«إسرائيل»، بل أشارت مصادر «البناء» الى أن «الزيارة لها علاقة بالانتخابات النيابية، حيث تحاول أميركا استجماع القوى الموالية لها في لبنان، ضمن جبهة انتخابية واحدة لمواجهة تحالف حزب الله وحلفائه في فريق المقاومة، والحؤول دون حصده أكثرية وازنة ومؤثرة في المجلس النيابي على حساب حلفاء واشنطن، فهل يستعيد ساترفيلد مشهد السفير الأميركي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان في عوكر، حيث اعترف فيلتمان أن إدارته أنفقت حينذاك في لبنان 500 مليون دولار على حلفائها لتشويه صورة المقاومة؟

المصدر: البناء