تطرح التهديدات الإسرائيلية مسألة تأمين غطاء دولي وإقليمي يحمي لبنان من أي اعتداء بري أو بحري. في ظل التقاطعات الإقليمية، يطرح السؤال عن جدية الدول المساندة للبنان في وجه أي اعتداء محتمل
يضع أكثر من سياسي احتمال حصول سيناريو واحد بوجهين، يتسبب بإرجاء الانتخابات النيابية، وقوع حرب إسرائيلية، وارتفاع وتيرة العقوبات الأميركية ضد حزب الله. ما خلا ذلك، تنضوي جميع القوى السياسية تحت سقف الاستعداد للانتخابات، منغمسة في التفاصيل اليومية لإعداد التحالفات وإطلاق الماكينات الانتخابية.
ورغم أن الحدث الإسرائيلي ليس طارئاً في مجمل المشهد السياسي، وقد عرف لبنان وضعاً مماثلاً قبل نحو عام من الآن، إلا أن تسارع وتيرة الأحداث الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، ضاعف من المخاوف، من ألا تكون المحطات المتتالية عابرة، بل أن تكون هذه المرة عوامل تمهيدية حقيقية لرفع مستوى التوتر مع لبنان، وصولاً الى نقطة اللاعودة. ولا يستغرب مطلعون على محادثات جرت أخيراً مع دوائر أميركية مختصة، أن تكون الرسائل المتناقضة، من تطمينات بعدم المس باستقرار لبنان، فيما تزيد إسرائيل من ضغوطها على الدول الفاعلة لتطويق لبنان وحزب الله، عوامل إضافية لعدم السماح لحزب الله خصوصاً بالنوم على حرير الوضع الداخلي ومتطلباته، في وقت تتكثف عليه حملة الضغوط الدولية أمنياً ومالياً.
ففي وقت تنغمس فيه روسيا بالمفاوضات حول الوضع السوري، وتنشغل الولايات المتحدة عن ملفات المنطقة ولبنان تحديداً الذي غابت عنه إدارتها، لسنة كاملة تقريباً، الى حد أن أكثر من دبلوماسي غربي اشتكى من غياب الاهتمام الأميركي بلبنان، ظهرت التهديدات الإسرائيلية، في صورة تصاعدية، وعلى خطَّي النفط وبناء الجدار والتهديد بالحرب الشاملة. ولا ينظر سياسيون الى روزنامة التطورات الإسرائيلية تجاه لبنان على أنها روتينية وتشبه تلك التي اعتادها لبنان في تاريخ عدائه معها وحروبها عليه. فالخشية أن تكون هناك فرصة إقليمية، تتيح لإسرائيل أن تقوم اليوم بردود فعلها، بما يضمن لها تغطية دولية، من دون أي عوائق.
ينبئ حجم الاهتمام الإعلامي الغربي بما يحصل جنوباً، براً وبحراً، بأن التحرك الإسرائيلي هذه المرة يكتسب أبعاداً أكثر جدية من قبل. والأهم أن الاستنفار اللبناني الرسمي، دلّ أيضاً على حجم الضغوط الإسرائيلية، ولو أن المواجهة الرسمية تحتاج الى استنفار دبلوماسي دولي وإقليمي أكثر فاعلية، فيما لا تزال حركته الدولية في هذا الإطار خجولة، علماً بأن لبنان بحسب أكثر من مصدر أمني معني، لديه أوراق قوة في يديه، يمكن من خلالها تحصين موقعه الدولي في مواجهته إسرائيل. ففي آب عام 2010، حين حصلت حادثة شجرة العديسة، والمفارقة أن الرئيس سعد الحريري كان أيضاً رئيساً للحكومة، قام لبنان بحملة دولية واتصالات عالية المستوى، لمساندة لبنان في الرد الذي قام به الجيش اللبناني وسقوط شهداء له، على الاعتداء الإسرائيلي وخرق القرار 1701. حينها طوق الاشتباك العسكري، لكن مفاعيله بقيت حاضرة إسرائيلياً، لأن الرد العسكري اللبناني على الجيش الإسرائيلي، كان فورياً، قبل أن تتكثف الاتصالات الدولية للجم التوتر.
اليوم، تختلف الظروف الإقليمية والدولية، الى الحد الذي يطرح أسئلة جدية، عن الإطار الذي يحمي لبنان من أي اندفاعة إسرائيلية ضده، سواء على الحدود البرية أو البحرية، علماً بأن ثمة ميلاً سياسياً الى الاعتقاد بأن إسرائيل قد تقدم على مغامرة برية وليس بحرية، نظراً الى خطورة المس بأي رقعة بحرية واختلاف طبيعة هذا الاعتداء عن أي تحرك بري، في ظل الاهتمام الدولي باستثمار الغاز المتوسطي. فلبنان اليوم يعيش في ظل تقاطعات دولية وإقليمية مغايرة عن المرحلة السابقة، تجعل من الصعب التكهن بكيفية تأمين إجماع عربي على حمايته من أي اعتداء إسرائيلي، في ظل الاختلافات الحالية، ولا سيما مع دول الخليج وفي مقدمها السعودية. ناهيك عن تغير نظرة دول عربية لإسرائيل وموقع مصر والأردن الملتبس من أي تطور إسرائيلي جدي. وهذا يشكل تحدياً حقيقياً للبنان، في تكثيف جهوده لتأمين مساندة عربية ودولية، في حين لا يظهر حالياً سوى احتمال انكفاء دول وتحييد أخرى نفسها، عن أي تطور عسكري إسرائيلي. وبحسب مطلعين على نقاشات جرت أخيراً حول التطورات الإسرائيلية، فإن لواشنطن حالياً، مصلحة في حفظ الاستقرار اللبناني، لكن مصلحتها أيضاً كما بدأت تهدد علانية تكمن في زيادة العقوبات على حزب الله، الأمر الذي يخشى معه أن تغض النظر عن أي مغامرة إسرائيلية، بما يخدم هدفها تشديد الخناق عليه وتحجيم قوته العسكرية.
وحتى الآن، تبدو موسكو أكثر من يشارك في تهدئة الاندفاعة الإسرائيلية، في ضوء الرغبة في تضييق رقعة الانفجار الإقليمي، وحصر الجهود الإقليمية والدولية حالياً بسوريا، ومنع انفلاش عناصر الحرب الى لبنان. وبرنامج الزيارات والاتصالات الإسرائيلية الروسية على مستوى عالٍ يشير الى أن روسيا تحاول احتواء الإصرار الإسرائيلي على استهداف حزب الله ومن خلفه إيران. لكن ما استجد على خط الاستفاقة الأميركية الجديدة تجاه لبنان بعد غياب، وفي ظل تكثيف الحملة لاستهداف حزب الله، لا في لبنان فحسب، يجعل من الصعب تجاهل إمكان انحياز الأميركيين مجدداً الى سيناريوات إسرائيلية جديدة.