بين دويّ الانفجار ودويّ الخبر، في الثاني عشر من شباط 2008، كشفت الشهادة التي تمناها دوما عن اسم "الشبح" الذي شغل الدنيا واربك المخابرات الأمريكية والموساد طيلة ربع قرن من المقاومة حيا، مقاتلا، مخططا، مهندس عمليات وصانع انتصارات.. وطيلة اعمار لا تنتهي ولا تنطفئ خطط لها دروبا تقودها حكما الى زوال "إسرائيل" وتحرير كامل التراب الفلسطيني: عماد مغنية شهيدا..
وسقط الكلام بين تبريك بطهر الدمع وبين ورد نما بلحظة في كل ارض رسم بخطاه فيها دربا إلى فلسطين. فلسطين الحبيبة التي سار في دروب عشقها حاملا كل بندقية تقاوم، منذ فتح إلى حزب الله.
هو ابن طيردبا الجنوبية المولود في الشياح، وساكن الضاحية التي عرفته بعد الاستشهاد وحملت صوره ايقونات من مجد ومن وفاء، وسكنته بيئة وجيراناً وبيوتاً وحكايات طوال اعوامه الخمسة والأربعين.. وهو ابن الارض التي تلعثمت وهي تفتح ذراعيها لجثمانه العائد من آخر المهمات منتصرا، كما كان دائما.. منتصرا كما لا زالت الطلقات إلى اليوم تذكر اسمه كلما حطت يد على كتف بندقية..
سموه الشبح، وهو اليقين الحر الذي أعاد صياغة المشروع المقاوم بما يليق بأم البلاد فلسطين، وجعل من ليل الصهاينة نهارا يدورون فيه حول أنفسهم بحثا عن طرف خيط يوصلهم اليه..
يطول الحديث عما أنجز.. عما أحدث من تغييرات جذرية في معادلات الصراع العربي الصهيوني. ولا يتسع مجال لذكر ما فعله منذ أن سكنته المقاومة إلى يوم التحرير الكامل.. في ذكراه، لا داعي أن نكتب تاريخه. فالعدو قبل الصديق يعرف من هو عماد مغنية.. لذا دعونا نتأمله في عيون رجال الشمس، أبنائه، الشهداء والأحياء المجهولين في الأرض.. دعونا ننظر في صورة بسمته ونلمح فيها طيف ولده الشهيد جهاد الذي التحق بأبيه شهيدا، فذاك الأب لم يكن ليربي جيلا من المقاومين مبعدا اولاده عن خط الاستشهاد. ودعونا نتأمل وجوه الناس عند ذكر اسمه، إذ تحتفي بلفظه باسمة شاردة، كأنها تبحث عن اثر لمروره الذي حيثما حل كان انتصار..
في ذكرى ارتحاله من كفرسوسة دمشق، إثر عملية اغتيال نفذها الموساد، يتوقف القلب متجها صوب الجنوب، تلك الأرض التي عرفته مقاتلا رسم التحرير صورة من عز ومنها انطلق إلى رسم خارطة تؤدي واجبها صوب تحرير فلسطين، مقدما كل ما يمكن من مساعدة عسكرية وقتالية ولوجستية لكل فصيل مقاوم من غزة إلى كل فلسطين.
وفي الذكرى تشرد الروح في صوره التي تحط كأيقونة نصر في كل بيت وعند كل مفترق، تتبع عينيه اللتين تذهبان دوما إلى البعيد وتخطط لجعله قريبا..
تعود القلوب مع ضحكته الى تحرير الجنوب عام 2000 فينتفض النبض على وقع زغاريد الشكر والفرح، ثم تمر على النصر الإلهي في تموز 2006 لتنتزع من براثن الدمار اليقين بالقدرة على المواجهة والردع، ثم تعود إلى اليوم بعد أن تعبر الأرض السورية وتبلغ ياسمينها السلام، السلام الذي حمله الرضوان في روحه لكل شبر عربي محتل ولكل أرض عربية تقاوم، إلى اليوم الذي امسه سقوط سلاح الجو المعادي، وتحول الإف 16 إلى خردة من حريق يبلغ الصهاينة عن نهايتهم القريبة، تنحني عند مرقده في الضاحية، تقبل الرخام الذي يحكي حكايات الزوار الذين يبوحون له في كل يوم بحبهم له، بوفائهم لمسعاه، تخبره انها لمحت طيفه بالأمس في سماء الجليل فاستبشرت.. فمن مثله، لا يغادر طيفهم المكان، ولا يغادرون الزمن.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع