كما في كل عام، حل الرابع عشر من شباط مدهشا من البيال.. فالقيمون على الحفل يعملون طوال السنة من أجل الخروج علينا بحلة جديدة متجددة.. يرسمون على وجوهنا بسمة رغم حزن المناسبة المفترض، فهي، وعلى سبيل التذكير، ذكرى اغتيال والد الخطيب الرئيسي في الحفل السنوي، فهم، اي القيمون عليها، مشهورون بحب الحياة، وبرغبتهم المستمرة في تحويل ذكرى اغتيال رفيق الحريري إلى محطة إطلاق مواقف، مضحكة رغم سطحيتها  بالإضافة إلى فقرات فنية متنوعة تجتذب الجمهور وتشعل الساحة طربا وقد يكون لذلك علاقة بتزامن المناسبة مع ما تعارف الناس على تسميته عيد العشاق.

يبدو المهرجان في كل عام مضحكا بشكل خلاق ومبدع.. وبعض الضحك سخرية سوداء. كيف لا، وقد ولد في نفس البلد شخصيات تحمل على اكفها أرواحا تقاتل، وشخصيات مهما حاولنا تجميل الحديث عنها تبقى أقل من الحد الأدنى للاتزان.
إذاً، كان اليوم هو بامتياز يوم التيار الأزرق الذي تخبط في ازماته منذ فترة، لا سيما تلك المتعلقة بفشل سعد الحريري كرجل أعمال وسقوطه كمواطن سعودي وكطرف سياسي لبناني دعمته السعودية طويلا إلى ان قرر ولي العهد بن سلمان احتجازه ولولا رحمة الله، ووعي حزب الله وحكمة رئاسة الجمهورية لكان ما يزال لليوم نزيل الفندق الذي استضافه سجينا، ولكان اضطر منظمو مهرجان البيال إلى البحث عن خطيب آخر.. وان بجودة أقل.

توجه سعد إلى والده وطمأنه أن لبنان في أمان.. لكنه تناسى أن يذكر له السبب الرئيسي في هذا الأمان، والذي ليس روحا تحلق إنما أرواح قاتلت وتقاتل الخطر والإرهاب قبل أن يصل إلى هنا.. وأخبره أن ثمة ميليشيات تتقاتل في سوريا ونسي أن يخبره أن من احتجزه في الريتز ارسل إلى سوريا خلايا إرهابية كي تحرقها عقابا لها على كونها آخر معاقل العروبة والعداء للصهاينة.. وأخبره أن اليمن نازف ونسي أن يخبره أن ال سعود، الذي يعرفهم ووالده جيدا، هم من يقتلون أبناء اليمن..
 ونسي سعد أن يخبر والده أشياء كثيرة. ولا يلام في سوء التذكر، فلا بد أن اعتقاله والرعب المتواصل الذي عاشه قد اثر على تسلسل سرد المستجدات.. الا انه لم ينس معزوفة النأي بالنفس والتزلف للدول العربية المعنية بأن ينأى لبنان عن هويته وتاريخه وعن حقيقة تحول المقاومة فيه إلى شوكة في حلق هذه الدول، ورصاصة في صدر الحليف الصهيوني، أو بكلام ادق المشغل الصهيوني الذي يدير شؤون الدول التي قصدها سعد الدين، مع حفظ الألقاب بسبب تعددها.

في معرض خطابه، تكلم عن حليف الأمس الذي غدر به إبان احتجازه لدى بن سلمان، وهنا، لا يمكننا التدخل بين "البصلة وقشرتها" رغبة منا في تهدئة النفوس التي تناوبت على كتابة التقارير إلى وليها السعودي عسى يستبعد البصلة ويمنح قشرتها منصبا، أو ربما، يرمي القشرة ويرصع البصلة بزخارف المال والهبات.. 

زين الحريري خطابه بعشر نقاط تراوحت بين الإنشاء والشعارات والكلام الذي يستجلب المال السعودي، ثم صرح بالفقر وبأن لا مال لديه. هنا، ربما كان يريد بعض التعاطف معه من قبل جمهوره وقد انضم إلى نادي الفقراء الذي يضم أكثر من ثلثي اللبنانيين، وهنا كان يمكنه أن يسأل والده عن سبب ذلك، لكن ما عاد السؤال ذا نفع. المهم، انه صرخ بأعلى صوته متباهيا "ما معنا مصاري" .. بدت الصرخة محزنة، ليس عليه، بل على ما قد يكون بالنسبة له الفقر وعلى جهله الحقيقي بمعنى الفقر ووجع الفقراء.

الصرخة التالية كانت عن عدم رغبته بالتحالف مع حزب الله.. والتي جاءت لتشعرنا ان حزب الله قد ترك العمل المقاوم وجمع حاله وماله ووقف عند باب بيت الوسط، الفقير، طالبا التحالف مع تيار المستقبل.. هل اوهم الحريري نفسه بكونه وتياره في موقع قبول أو رفض التحالفات؟ فأصدقاؤه قبل الخصوم يعلمون حقيقة الأحجام وتمثيلها على الأرض. لذا لا يستدعي هذا الكلام، الصرخة، أكثر من ابتسامة عريضة، تدعو الحريري لأن يعي أن المعركة الممتدة على كامل الأرض العربية، والمتخذة أشكالا عديدة ومختلفة، هي معركة يخوضها حزب الله بوجه الصهيوني وأدواته، وذلك يعني حكما أن المعركة الانتخابية هي أسهل حساباته، إن لم نقل أكثرها راحة له.
هو الرابع عشر من شباط، هو مهرجان ينتظره الكثيرون، ولكل منهم أسبابه، الا ان روح رفيق الحريري، على الأقل بصفته الأبوية تجاه سعد الدين، تحاول أن لا تسمع ما يدور في فعاليات هذا المهرجان، لسبب بسيط هو أن كل أب يتمنى أن يرى أبناءه بشكل مشرف وان يتباهى بهم، وبحكمتهم، وذلك ما لم يرَه الراحل في مهرجان البيال، وفي كل يوم.
 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع