مبنى آخر انهار فجر أمس، وضحايا جدد سقطوا. رئيس بلدية برج البراجنة أكد أن أبنية أخرى في المنطقة تحتاج الى ترميم. والبلدية مهمتها «تسطير الانذارات وعلى الدولة ايجاد الحلول». إذا كان الاتكال على الدولة، فالأرجح أن هذا لن يكون الحادث الأخير من نوعه، وأن ضحايا جدداً سيسقطون تحت عنوان «القضاء والقدر»

انتهى كل شيء. وكما في كل مرّة، يطوَّق مكان الحادث بشريطٍ أصفر يمنع الدخول إليه. داخل الشريط الأصفر، ذهبت العائلة بأكملها ضحية الإهمال واللامبالاة. نحن الآن في عين السكة، قرب المبنى. قرب الأنقاض التي هبطت على رؤوس العائلة الصغيرة. ماتت سالي وزينب. ما حدث ليس تفصيلاً، ليس حادث «قضاء وقدر»، كما قال النائب علي عمّار أثناء جولته الصباحية في مكان وقوع المبنى.

ولا هو حادث سبّبته «عوامل الطقس»، كما لمّح رئيس بلدية برج البراجنة عاطف منصور. هو نتيجة إهمال، وحالة المبنى والمباني المحيطة هي الشاهد. لا حاجة لخبراء هنا. يكفي أن تستدير نحو بعض المباني المجاورة، التي لا تختلف كثيراً عن حال المبنى الذي جرف عائلة بأكملها. السكان الذين حضروا إلى المكان كانوا يقولون ذلك. يشير أحدهم بيده إلى المبنى المجاور ويقول: «أصلاً شوفوا هالبرندة بهيدا المبنى اللي هون، حتوقع، شوفوا الحديد». المبنى المسوّى نصفه بالأرض أيقظ الخوف في قلوب السكان، وهم ينظرون إلى التصدّعات المرسومة على جدرانٍ كثيرة هناك. تشققات كثيرة وحديد صدئ يفلت من الجدران.
عند الرابعة من فجر أمس، في منطقة عين السكة ــــ برج البراجنة، هوى نصف سقف مبنى بطبقة يتيمة، على غفلة من النائمين تحته. لم يستيقظوا. بقوا في نومهم إلى الأبد. لم يعرف أحد بموتهم، حتى ساعات الصباح الأولى. تأكد خبر موت الأم باكراً، فيما مصير الطفلة ظلّ معلقاً بين الحياة والموت حتى العاشرة صباحاً. بعد ذلك الوقت، بات موتها محقَّقاً. أما الوالد، سامر عيتاني، فنُقل إلى مستشفى الرسول الأعظم القريب حيث يقبع في العناية المركزة.
«يا ريت لو نزلت كل المباني ولا نزلت نقطة دم من هالبنت الصغيرة». قالت زينب العنّان، صاحبة المبنى، وهي «تتحسّر» على سالي عيتاني، الطفلة التي فارقت عمرها قبل أن تكمل السابعة منه، ومعها أمّها زينب عمّار.
المنطقة مهدّدة بالسقوط. هكذا، يُخيَّل إلى أهالي المنطقة في لحظة الموت تلك. يتذكرون الصغيرة التي نامت وأمها إلى الأبد ويسألون عمّن يسأل عن موتهم الآتي؟ يأتي نائب المنطقة علي عمّار. يلقي بيان «الوحدة» التي تجمع في مثل هذا «المصاب الأليم». يقول كلاماً كثيراً عن «الوحدة الوطنية» في معرض حديثه عن «الزوجين»: الزوج من آل العيتاني والزوجة من آل عمار.

يقول إن «بيروت والجنوب عائلة واحدة»، وإن كان لا فائدة عملية من الحديث عن «اللُّحمة» الوطنية في هذا الظرف بالذات. يأتي بعده رئيس البلدية، عاطف منصور، متفقّداً. يصرّح لوسائل الإعلام، ثم يصدر بيان أسف على «الفاجعة».
انتهى البيان الرسمي، ودار نقاش بين «الرئيس» وسكان الحيّ، قال خلاله إنّ «بلدية برج البراجنة وجّهت 300 إنذار إلى أصحاب الأملاك والمستأجرين وغيرهم في المنطقة»، مشيراً إلى أن هذا الموت ليس الأخير، «فالمنطقة معرّضة لانهيار أبنية أخرى». لم يكد ينهي كلامه، حتى تدخّلت العنّان، نافية أن تكون قد تبلّغت عقار بأي تبليغ، وهو ما قاله كثر هناك. بُلّغوا. لم يبلّغوا. لم يعد هذا التفصيل مهماً. المهم هو ماذا ستفعل البلدية في هذه الحال؟ ماذا بعد التبليغات المفترضة؟ وما الذي يضمن الحيوات الباقية في المباني التي قال إنها معرضة للانهيار؟ وما الذي حدث فعلاً؟
يقول منصور، في اتصال مع «الأخبار»، إنّ البلدية لم تكن تتوقع سقوط هذا المبنى، خصوصاً «أننا كنا نجري الكشف عليه يومياً بحكم قربه من مركز البلدية». فوجئ منصور بأنّ المبنى سقط، رغم أن عمره يفوق الثمانين عاماً، والتصدعات كانت بارزة. وحتى لو أنه كان على دراية بسقوطه، فهو لا يملك «كبلدية سوى توجيه الإنذارات». الإخلاء متروك لتقديرات أصحاب العقار والمستأجرين. أما ما عدا ذلك، فلا مسؤولية للبلدية. هي مسؤولية «الدّولة اللبنانية والوزارات لجهة القيام بالعمل على إعداد قوانين تعطينا صورة أوضح تجاه مثل هذه القضايا والعمل على إحصاء كل الأبنية المهددة، ليس فقط في برج البراجنة، بل في كل المناطق اللبنانية».
أقصى ما يمكن أن تفعله البلدية هو رصد «الأدلّة»: انهيار جزئي. حائط متصدّع. اهتراء. تآكل بسبب تسرّب المياه. ما عدا ذلك، البلديات ليست مسؤولة عمّا قد يحصل. أما الموت، فالقضاء والقدر قادر على استيعابه.

المصدر: حسن رمضان- الأخبار