يوماً بعد يوم، يرتفع جدار «الساعة الرملية» في رأس الناقورة ويتمدد أفقياً باتجاه علما الشعب. يحجب الرؤية عن مستعمرة روش هانيكرا الواقعة عند سفح رأس الناقورة الجنوبي ومينائها العسكري ومقاهيها البحرية وقطارها الجوي (التلفريك) وشاطئها الرملي الشبيه بشاطئ صور، وعن بحر حيفا ومينائها. من الواضح أن ورشة العدو الإسرائيلي لتشييد الجدار من رأس الناقورة إلى علما الشعب، مروراً باللبونة، لم تتأثر، حتى الآن، بالاعتراض اللبناني على انتهاك الأراضي اللبنانية المتحفظ عليها
حتى مساء أمس، كان جيش الاحتلال قد رفع 98 مكعباً اسمنتياً عل طول نحو 150 متراً، من النقطة العسكرية المعروفة بـ«أم 2» في رأس الناقورة حتى النقطة «بي 10» في خراج علما. ووفق المخطط الإسرائيلي، سوف يمتد الجدار الاسمنتي على طول خمسة كيلومترات ونصف كيلومتر في القطاع الغربي، بارتفاع ستة أمتار لكل مكعب وبعرض أكثر من متر. «يصنف العدو وجود مواقع مكشوفة أمنياً من رأس الناقورة إلى علما الشعب، مستنداً إلى حوادث عدة وقعت في السنوات الماضية»، وفق مصدر عسكري لبناني مسؤول مكلف بمواكبة الأشغال المعادية.
بادر العدو إلى تعديل مسار الجدار مبتعداً عن النقطة «بي 2» الواقعة ضمن المنطقة المتحفظ عليها وتراجع نحو الأراضي المحتلة بعمق حوالى 20 متراً خلف السياج الشائك، يؤكد المصدر العسكري، موضحاً أن المنطقة المتحفظ عليها لبنانياً تتراوح مساحتها في محيط الجدار بين 27 متراً وسنتيمترات قليلة. في حين أن المنطقة الخلفية لنقطة «بي 1» التي يقطعها خط حدود الهدنة، تضم المعبر الحدودي ونقاط تفتيش عسكرية ومدنية للعدو، فضلاً عن أن المسافة بين جانب النفق اللبناني المحتل والنقطة «بي 1» تبلغ حوالى 60 متراً.
وعلى بعد حوالى 17 متراً من النقطة «بي 1» فوق سطح مياه البحر، يقع أول خط الطفافات الذي وضعها العدو برغم احتجاج لبنان، محاولاً فرض خط أزرق مائي. صحيح أن الطفافة الأولى تقابل «بي 1»، لكن الطفافات الأخرى تبدأ بالانحراف شمالاً، إلى أن تأخذ شكل زاوية مثلثة عند الطفافتين الخامسة بعمق 537 متراً والسادسة بعمق حوالى 300 متر، ثم يبدأ الخط بالانحراف جنوباً، إلى أن تتموقع الطفافة العاشرة قبالة الطفافة الأولى أي قبالة خط الهدنة أو النقطة «بي 1». كيف تترجم الأمتار الـ 17 داخل البحر؟ ادعاء العدو أنه يملك المنطقة المتحفظ عليها لبنانياً، ولا سيما عند سفح رأس الناقورة البحري، «يغير في قياسات حدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة، وبالتالي في مواقع بلوكات النفط 8 و9 و10» يؤكد المصدر نفسه.
منتصف عام 2014، وقبل مغادرته لبنان بأشهر قليلة، عرض الممثل الأسبق للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي على مرجعيات لبنانية «حلاً إسرائيلياً» لمشكلة خروقات العدو للحدود البرية. الحل هو «ترسيم الحدود نهائياً عبر عقد صفقة تبادل بين المناطق الحدودية التي يتحفّظ عليها لبنان من جهة، وبين منطقة أخرى محتلة يوافق العدو على التخلي عنها من جهة أخرى. إلى جانب اقتراح الموافقة على تثبيت ترسيم نهائي لنهر الوزاني». لاحقاً، نقل الإسرائيليون عبر اليونيفيل اقتراحاً للبنان عبروا فيه عن «استعدادهم للتنازل عن سبع أو ثماني مناطق متحفظ عليها، في مقابل التمسك بمناطق أخرى؛ أبرزها رأس الناقورة ومسكاف عام قبالة العديسة. كما عرضوا انسحابهم من الجزء الشمالي لبلدة الغجر، في مقابل التمسك بمزارع شبعا ومنطقة الجسر الروماني في الغجر ومنطقة أخرى تشكل مثلثاً بين لبنان وفلسطين والجولان، على أن يحتفظ بطريق العباسية – الغجر لاستراتيجيتها»، وفق المصدر العسكري. لكن أبرز المناطق التي «أصر العدو على عدم التفريط بها وإعادتها إلى أصحابها هي النقطة «بي 1» التي يتحكم من خلالها بالحدود البحرية ومواقع بلوكات النفط»، علما بأن العدو يعترف بوجود ثلاث نقاط متحفظ عليها فقط، فيما يتمسك لبنان بتحفظه على 13 نقطة.
أخيراً، أعاد العدو طرح خطة مبادلة الأراضي وكلف مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد بهذه المهمة قبل أيام قليلة. إلا أن تلك الخطة قابلة للنقاش لبنانياً «ومن بين النقاط الثلاث عشرة المتحفظ عليها، تشكل النقطة بي 1 الأصعب على التفاوض. لبنان أقفل باب التفاوض بشأنها تمسكاً بحقه في بلوكات النفط. أما بالنسبة إلى النقاط الاثنتي عشرة، فالتفاوض قائم بشأنها على أساس أن تعاد إلى لبنان أراضيه الحيوية، وخصوصاً أراضي المزارعين في بئر شعيب وبليدا ورميش وتلة الراهب في عيتا الشعب».
وبالتزامن، عاد الهمس حول إمكان إدراج الحدود البرية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة تحت الفصل السابع وبإشراف مجلس الأمن الدولي، إذ يصبح لدى اليونيفيل «انتداب جديد بموجب القرار 2374، تمنع بموجبه أياً كان من الاقتراب من الجدار الحدودي»، يقول المصدر العسكري اللبناني. وهنا تجدر الإشارة إلى أن فريق المراقبين الدوليين الذين تنحصر مهتمهم بمراقبة خط الهدنة، باتوا يملكون حرية الحركة في جميع المناطق «لأن خط الهدنة لم يعد واضحاً، بعد تكريس الخط الأزرق على أنه الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة».
حتى الآن، لم يحدد العدو موعد البدء بتشييد المرحلة الثالثة من «الساعة الرملية»، قبالة مستعمرة المطلة بعد إنجاز جدار كفركلا (2012)، وسط استنفارٍ لجيش العدو عند الحدود بين كفركلا وسهل الخيام بسبب تشييد بلدية كفركلا رصيفاً وزراعة حوض بالزهور سيتم الاحتفال بإنجازهما غداً، فيما بادر العدو إلى تسجيل اعتراضه لدى اليونيفيل، مدّعيا أن الرصيف والحوض يشكلان خرقاً للخط الأزرق!