كان يا ما كان، في كواليس الزمان، بلاد شاسعة، خيراتها جذبت اليها الويلات، ومن ضمن الويلات ابتلاؤها بأشخاص اكلوا من خبزها، وشربوا من مائها، وخانوا كل عهد تربطه الفطرة بين الانسان وارضه.. باختصار، احدى اكبر ويلات هذه البلاد كان تقسيمها الى كيانات ودول، وجعل احد هذه الكيان مقرا استعماريا يحتله العدو وهو قسم عزيز منها، قسم يقاتل بالحجر وبكل ما اوتيت روحه من سلاح كي تعود حرة. دخل الاعداء البلاد على شكل احتلال اشعلها واشعل جوارها بكل اشكال الخراب والدمار والقتل والارهاب.

وكان يعيش في جوار الارض المحتلة، جمع بشري  ينقسم عموديا بين رجال يحملون ارواحهم على اكفهم وبها يقاتلون المحتل، وبين اشخاص قرروا ان يعتبروا ذاك المحتل جارا، ربما كي يبرروا علاقتهم الوثيقة به والتي تشبه حكما كل صلة تربط مرتزقا بمشغله. المهم، وباختصار، كان من الصعب جدا ان يفهم القسم الثاني من الجمع ان المحتل ليس جارا، انما مغتصب لأرض البلاد الشاسعة التي كل شبر فيها ارض لنا وبلد.. وكان من المستحيل ان تزرع مفاهيم الكرامة الوطنية والارتباط الفطري بالارض وبالتاريخ في دماغ ورث الانبطاح للمحتل والاستقواء به في جيناته وفي ذاكرته التي حوت ولائم على شرف جنود العدو.. وكان من سابع المستحيلات ان يعود الى حسه الوطني من فقده على قارعة التطبيع والخيانة..

حدث كل ذلك، وتذرع الكيانيون بألف ذريعة كي يحفظوا امن الاحتلال.. فكانت شعارات كـ "العين لا تقاوم المخرز" تلوث السمع فيما كان البواسل من ابناء الارض يثبتون عند كل محطة انهم العين التي انتصرت على كل مخرز وتحولت من عين تحت التهديد الى مصدر اشعاع يدل الكون على طريق التحرير والعز. وكانت عبارات ظاهرها انشائي وجداني ومضمونها تطبيعي خياني تجتاح البيانات التي تدعي الحرص على النفس بتجنب الاحتكاك بالعدو المدجج بالشر وبالاسلحة المتطورة، فيما كان المقاتلون يكتبون بدمهم بيانات التحرير واخبار المعركة.. ثم التجأوا الى شعار "النأي بالنفس" والذي قصدوا فيه عمليا النأي عن الكرامة والقوة، فيما كان من الناس ابطال يعلمون الكون كيف تنصهر النفس وارضها لتصب النصر شرابا على شرف الحرية.

ثم كان ان كُتبت النهاية الحتمية للاحتلال عبر مقدمات تبشر بأن زواله قد بات قريبا جدا.. لمحه الناس في عيون نارها تشعل الف شمس، وفي قلوب نذرت نبضها للحرية، وقبضات ارتفعت فزلزلت الارض تحت الاحتلال وداعميه، وجعلت السماء التي كان يظنها ميدانه الآمن مقبرة لتفاخره ووهمه بالتفوق.. فهب عشاق التعامل وعشاق الذل يطالبون بنزع شرف البلاد، سلاحها، ولا عجب، فالمعتاد على الذل لن يعرف قيمة العزة.

لم تنته الحكاية، لكن نهايتها اصبحت في حيز الحدوث، يوم سنتلوها مدججين بكرامتنا في ظلال الزيتون الأبي الذي هناك، وسنتلوها عشقا جوريا فوق اضرحة الشهداء.. وعناقا من ضوء يعيد الارض الى اصحابها.. هناك فقط، سيسمع كل الكون آخر الحكاية.

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع