عدم بت ملف مياومي مؤسسة كهرباء لبنان وإبقاؤهم رهائن النزاع السياسي يعيد تحركهم إلى الواجهة مجدداً. هذا الكباش بين القوى النافذة يترك اليوم 1050 عاملاً بلا صفة قانونية وبلا رواتب وضمانات

انتهى أمس اعتصام المياومين وجباة الإكراء في مؤسسة كهرباء لبنان بعد يوم طويل من المواجهات ولم تنته قصتهم بعد. فالحل «السياسي» الذي يثلج صدورهم ويطمئنهم إلى مصيرهم لا يزال معلقاً، وسط استمرار الكباش وتناتش الحصص بين القوى النافذة. الاستقرار الوظيفي المتمثل بتثبيت جميع المياومين الناجحين الفائضين في مباريات مجلس الخدمة المدنية في ملاك مؤسسة الكهرباء، على أحقيته، ليس هو الوجع الوحيد للمعتصمين

أساس القضية: مياومو «دباس»

القضية الأساس التي حرّكت مجدداً هذه الفئة العمالية المعلّقة بحبال الهواء، والمعرّضة على مدى عقدين من الزمن لظروف عمل قاسية، تنطبق عليها سمات «السخرة»، هي وجود 1050 عاملاً بين مياوم وموظف في الشارع بلا صفة قانونية وبلا عقود عمل وبلا رواتب وضمانات صحية واجتماعية منذ 31/12/2017. في ذلك التاريخ، انتهى عقد شركة «دباس» (NEUC)، إحدى شركات مقدمي الخدمات الثلاث، الملزّمة ما يعرف بالمنطقة الثالثة التي تضم الضاحية الجنوبية والجنوب وجبل لبنان الجنوبي. في هذه المنطقة، تراكمت عشرات آلاف المعاملات للمواطنين تتعلق بأعمال الصيانة والجباية. هنا أيضاً، حلت مكان الشركة بعض الجهات المحلية لا سيما البلديات وفرق العمل الاجتماعي في حزب الله للتخفيف من ساعات التقنين عن السكان. فتولت أعمال صيانة الشبكات وخطوط النقل في هذه المناطق.

طفح كيل المياومين. رغم ذلك يبقى «السياسي» أو الزعيم هو خشبة الخلاص. العمال أنفسهم يُقرون بذلك. لسان حالهم يقول دائماً: «الزعيم إذا ما طعماك ما فيك تاكل، والأقطاب السياسية إذا ما اتفقت بضل الشعب جوعان».
وفي كل مرة ينزلون فيها إلى الشارع، ثمة من يخرج ليقول إنهم يتحركون بأوامر سياسية. يوم أمس لم يشذ عن القاعدة، فحضور رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر طيلة النهار الطويل والاتصالات التي كان يجريها على مدار الساعة مع المرجعيات الأمنية والسياسية أوحت بأن تحركاً بهذا الحجم لم يكن ليحصل لولا «الغطاء» والضوء الأخضر السياسي، لا سيما من حركة أمل. بشارة ينفي لـ «الأخبار» ذلك قائلاً إنّ التحرك عمالي بحت وهو كان يقوم بدوره الطبيعي.
الاسمر الذي سعى إلى ثني المياومين عن قطع الطرق على قاعدة «إذا كنتم مظلومين فلا يجوز أن تظلموا غيركم»، فشل في تأمين الغطاء لهم لدخول صالة الزبائن في المبنى الرئيسي لعقد مؤتمر صحافي كما كان مقرراً، وكما كان يحصل عادة، نتيجة قرار من جهات عليا متخذ مسبقاً بالمنع، ودخل وحده إلى الصالة.
وبينما عزا رئيس الاتحاد الأمر إلى أجواء التشنج على خلفية المواجهة التي حصلت بين مياوم وقائد القوة الأمنية الأسبوع الماضي، بدا مقتنعاً بأن تحرك أمس حقق الكثير في حين أن المياومين لم يلمسوا أي نتائج حقيقية على الأرض، إلاّ إذا كانت «المصالحة الحبية» مع القوى الأمنية إنجاز بحد ذاته. فما قاله الأسمر عن إيجاد حل لقضية المياومين يقوم على أخذ الناجحين الفائضين في مباريات مجلس الخدمة للفئة الرابعة ومواصلة المباريات للفئات الخامسة والسادسة ودفع رواتب مياومي «دباس» عن الشهرين الماضيين، بقي في إطار التمنيات.
اللافت ما أشار إليه الأسمر لجهة أنّ «الاعتصام لم يكن ليتطور على هذا النحو لولا وجود الثكنة العسكرية على باب المبنى، ولو أفسحوا لنا المجال لدخلنا وعقدنا مؤتمرنا الصحافي وعاد كل منا إلى منزله». وشدّد على ضرورة انعقاد مجلس وزراء كهربائي يعالج قضية المياومين، فهي قنبلة موقوتة تترك ضحايا «ففي المرة الماضية، وقع خمسة جرحى، واليوم خمسة أو ستة جرحى».
الأسمر تحدث عن اجتماع يليه مؤتمر صحافي سيعقده في مقر الاتحاد غداً الأربعاء مع لجنة المياومين لمتابعة تطورات قضيتهم.

الحل السياسي: قطبة مخفية

لكن هل حل «ورقة» مياومي «دباس» يكمن فعلاً في ملعب الاتحاد العمالي؟ وماذا يملك الأسمر ليقوله للمنتفضين إذا كانت القوى السياسية نفسها لم «تتوافق» بعد على أي تسوية في هذا الإطار؟ وما هي القطبة المخفية التي أطاحت بتسوية كادت تخرج إلى النور قبل أسبوعين؟
«الأخبار» علمت أنّ إحدى الصيغ التسووية بين التيار الوطني الحر وحركة أمل أدرجت أخيراً على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء ضمن البند 49 من دون أن تجد طريقها إلى المناقشة داخل الجلسة. وتتمثل هذه الصيغة ــــ الصفقة التي تبلغ قيمتها 130 مليون دولار بالتمديد لشركة «دباس» لمدة 4 سنوات وتسليم منطقة الجنوب لمتعهد من الباطن (subcontractor ) محسوب على حركة أمل، من دون أن يعرف ماذا حصل في اللحظات الأخيرة.

وقائع المواجهة

كيف كان النهار الطويل للمياومين؟ أمس، تحوّلت وقفة المياومين للتضامن مع زميلهم حسن عقل ضدّ كفّ العميد حسين خشفة، إلى اعتصام لم يخلُ من مشاهد الدّم وتعرّض قوى الأمن للمياومين بالعصيّ. فمنذ لحظة وصولهم إلى المبنى، فوجئ المعتصمون بعناصر القوى الأمنية تزنر المدخل بقرار سياسيّ، كما قالوا، هدفه منعهم من «الاعتصام السلمي والحضاري».
جوّ من الهرج والمرج ساد أمام مبنى المؤسسة نتيجة صدّ الأبواب. لم يتردد عامر موسى، أحد العاملين لدى شركة «دباس»، في تشطيب نفسه وسط حشد من زملائه، وعلى مرأى من أعين القوى الأمنية. وفي التفاصيل، أنّ موسى يعاني من داء السّكّري ويتحمّل مصاريف طبابة ابنته وحده، واليوم بات لا يملك مقدرة على الاستمرار بالعيش بعدما أصبح عاطلاً عن العمل. استمرّت الأحداث بالتفاقم الى أن وصلت إلى قيام المياومين بنصب خيمٍ في الباحة أمام المبنى، مهدّدين بالبقاء فيها الى حين تجاوب المعنيين مع صرخاتهم. زيارة خاطفة ومفاجئة قام بها العميد خشفة الى مكان الاعتصام، استدعت تجديد المياوم حسن عاصي صرخته مندّداً «لسنا زعراناً ولا بلطجيّة، نحن نعمل ونقدّم دماً وشهداء. لن نترك خيمنا حتّى إن قرّرتم حرقها». وأفادت مصادر خاصّة بـ «الأخبار» أنّ خشفة تعهّد إزالة الخيم بالقوة، الّا أنّ اجتماعاً عقد بين الأطراف المعنية انتهى بتبادل القبلات بين خشفة وبشارة وعقل.
اعتصام المياومين جاء مكمّلاً لسلسلة اعتصامات سابقة، جدّدوا خلاله مطلبهم بإيجاد حلّ جذريّ لقضيّتهم العالقة منذ العام 2012، وهي تثبيت المياومين أو أقلّه العمل بمضمون الاتّفاق الذي ابرم مع وزير الطاقة، والذي يقضي بزيادة تعويضات من لم يحالفهم الحظّ في المباريات للدخول الى الملاك.

المصدر: جريدة الأخبار