طغى على جلسة مجلس الوزراء المخصصة، أمس، لمناقشة مشروع قانون موازنة 2018 عدد من المواضيع، في إطار العرض الذي قدّمه وزير المال علي حسن خليل، أبرزها موضوع الكهرباء وإخراج كلفتها من الموازنة بقيمة 2100 مليار ليرة، والحديث عن هندسات مالية بين وزارة المال ومصرف لبنان تتيح للخزينة إطالة آجال ديونها وخفض كلفتها، كذلك فإنه كان هناك شبه توافق على إقرار مواد قانونية ضمن الموازنة تستثني بعض النشاطات المصرفية من ضريبة الفوائد... هذا الأمر كلّه يختصر بعبارة واحدة: تجميل موازنة 2018!
تحت تأثير العجلة المطلوبة دولياً، أقرّ مجلس الوزراء، أمس، إنشاء لجنة وزارية لدرس مشروع قانون موازنة 2018، على أن تجتمع كل يومين. بحسب أحد الوزراء، فإن الهدف من تأليف اللجنة أن تقرّ الموازنة خلال فترة قياسية لإحالتها إلى مجلس النواب بحلول نهاية شباط، أي مع بدء العقد العادي الأول لمجلس النواب، وتمكينه من مناقشتها وإقرارها قبل موعد الانتخابات النيابية.
في هذه المدّة القياسية، ستدرس اللجنة مجموعة أفكار طرحت في جلسة أمس، وأبرزها جاء في عرض وزير المال الذي فسّر للوزراء خلفية قيامه بوضع كلفة دعم الكهرباء بقيمة 2100 مليار ليرة خارج الموازنة. وتبيّن أن هذه الخطوة تعني أن العجز المالي المصرّح عنه في موازنة 2018 بقيمة 7569 مليار ليرة لا يتضمن عجز الكهرباء لهذه السنة، ما يجعل المقارنة مع السنة الماضية أمراً غير مقبول ضمن معايير المحاسبة. لا بل إن احتساب العجز الفعلي للخزينة يوجب احتساب كلفة دعم الكهرباء، سواء أتت من ضمن الموازنة أو خارجها، وبالتالي يرتفع العجز إلى 9669 مليار ليرة! كذلك، فإن هذه الخطوة توجب إعادة جدولة كلفة دعم الكهرباء المتراكمة على مدى السنوات الماضية عبر سلف خزينة واجبة التسديد على مؤسسة كهرباء لبنان في فترة زمنية محدّدة، فيما هذه الأخيرة ليس لديها القدرة على التسديد.
النقاش في ملف الكهرباء تطرّق أيضاً إلى معامل الإنتاج وإلى المشكلة العالقة في تلزيم معمل دير عمار ــ 2. كان هناك آراء بضرورة إعادة إحياء هذا المسار، وتلزيم إنشاء معامل كهرباء ثابتة على اليابسة بدلاً من الحديث غير المجدي عن استئجار بواخر، وبدء تشغيل المعامل على الغاز بما يوفّر على الخزينة 80 مليون دولار شهرياً. لكن المفاجئ أن وزير الخارجية جبران باسيل أعلن تخلّيه عن مشروع استئجار البواخر، إذ قال: «لم أعد أريد الحديث عن البواخر».
ومن بين الأمور المثيرة للاهتمام، التي عرضها علي حسن خليل، فكرة تتعلق بإجراء «هندسات مالية» توفّر الكثير على الخزينة، بعضها نفّذ في السنة الماضية. فبحسب مصادر وزارية، يمكن وزارة المال إصدار سندات خزينة بالعملة الأجنبية يكتتب فيها مصرف لبنان بقيمة (مقدرة بنحو 3 مليارات دولار) على أن يدفع ثمن اكتتابه من خلال إطفاء سندات خزينة بقيمة مماثلة، (أي 4500 مليار ليرة). وبنتيجة هذه العملية، ستتم إطالة آجال الدين وتحويله إلى الدولار، ما يتيح لمصرف لبنان بيعه للمصارف مقابل دولارات تجتذبها من الخارج، وأن يقوم بالاكتتاب بسندات خزينة بالعملة اللبنانية بفائدة 1% أو 2%. هذه العملية ستوفّر أكثر من 5 نقاط مئوية وستمدّ آجال الاستحقاقات على الدولة.
مشكلة هذا الاقتراح أنه يتطلب صدور قانون يجيز إصدار سندات خزينة بالعملة الأجنبية، ورفع سقف الاستدانة بالعملات الأجنبية بعد بلوغ الحدّ الأقصى لهذا السقف (28 مليار دولار)، وحصول وزارة المال على تفويض من مجلس الوزراء للقيام بهذا الأمر.
وسجّلت مفاجأة على صعيد ضريبة الفوائد. فقد تبيّن أن جمعية المصارف تمكّنت من إقناع الرؤساء الثلاثة (ميشال عون، نبيه بري، سعد الحريري) بضرورة إعفاء نشاطات الانتربنك وحسابات المصارف لدى مصرف لبنان من ضريبة الفوائد، وأنها تلقّت وعوداً بهذا الأمر من الرؤساء الثلاثة، وهو ما جرى ترجمته عملياً في جلسة مجلس الوزراء أمس. ففي هذه الجلسة، كان هناك شبه إجماع من الوزراء على تضمين المواد القانونية للموازنة مادة تنص على الاستثناء المطلوب من الجمعية، ولم تكن هناك معارضة لذلك، بل بدت هناك جاهزية له بعد فشل المحاولات السابقة لإدراج هذا التعديل ضمن قرار وزير المال رقم 1508 المتعلق بتحديد دقائق تطبيق ضريبة الفوائد. وزير المال كان قد وعد المصارف بأنه سيرسل كتاباً إلى مجلس شورى الدولة يسأل فيه عن مدى قانونية تعديل قراره بما يتوافق مع طلب المصارف، إلا أن المجلس اعتبر أن قراره بصيغته المقرّة هو قانوني وأن القانون 46 لا يوجب إجراء أي استثناء لأي نشاطات مصرفية من ضريبة الفوائد. في حال إدراج مواد قانونية في الموازنة بهذا الخصوص، فإنها ستتمكن من تشريع هذا الإعفاء، وهو أمر لم تحصل عليه من الرئيس فؤاد السنيورة أيام كان وزيراً للمال.
ومن بين المناقشات التي حصلت أمس أنه كان هناك اقتراح لإنشاء مجمع حكومي خلال سنتين يتيح للحكومة التخلي عن إيجارات بقيمة 135 مليار ليرة سنوياً، وأن مجمعاً كهذا يمكنه أن يردّ كلفة تشييده خلال سنتين.