لا تتوقّف القصّة عند عين السكّة في برج البراجنة، بل على عشرات الأبنية المهددة بالسقوط. وفي بلدٍ مثل لبنان، قد لا تتوقف. ستستمر التصدعات في مبانٍ فوق رؤوس أهلها، في بلدٍ هو نفسه متصدع. «بناية الكواكب» واحدة منها، لا تبعد كثيراً عن عين السكة، حيث سقط المبنى الأخير. الدعاوى قائمة وكذلك الالتباسات، بين البلدية المعنية (المريجة) والهيئة العليا للإغاثة والسكان والمالكين. وسقف «الكواكب» يهتز

لدى دخولك أحد الزواريب الذي يصل بك إلى شارع الكفاءات، ستجد البناية في مكانها. ستراها محاطة بغيرها من المباني، تفصل بينها أزقّة صغيرة. صعدنا إلى الطبقات. في الطبقة الثالثة تفسخات كثيرة، لكننا لسنا مهندسين. ما تراه في «الكواكب» ستراه في كثير من المباني في ضواحي بيروت. لكن لـ«الكواكب» قصة خاصة. 13/6/2015 هو تاريخ بداية المسلسل.

البطولة لكل من رئيس بلدية المريجة سمير أبو خليل، و«صاحب الملك»، أو المالك، محمد العطّار، إضافة إلى شخصيّات أخرى على غرار رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللّواء محمد خير، وبعض السكّان... الضحايا المحتملون. مدّة طويلة للمسلسل، كادت أن تصل إلى ثلاث سنوات منذ إعطاء البلدية أوّل إنذارٍ: المبنى قد ينهار. بعد ثلاث سنوات، ذهب الكثير وبقي القليل من القاطنين بين طبقات «الكواكب». خمس من هذه الشقق لا يزال سكّانها يرتادونها وينامون داخلها. لا يحرّكون ساكناً. صامدون، صامدون. لكن «الطقس» مرعب.
«البناية مش رح توقع». هكذا، بثقة يُحسد عليها، يؤكد حسين خيامي أحد ساكني المبنى. يوضح أنه استشار مختصين بالبناء وبالأمور الهندسية من «معارفي»، وفي رأيهم أن «لا خوف على المبنى». «متل اللّيرة»، يقول. إلى خيامي، هناك صاحب مستودع المفروشات الذي لا ينوي المغادرة إطلاقاً. لا يمكنه تحمل التكاليف. وهناك صاحب الدكان، في المبنى المواجه، الذي لا يمكنه المغادرة أيضاً. يعتقد أنها «صالحة للسكن». مهندسون في ضفّة وآخرون في ضفّة ثانية لا يوافقون. ما لا يمكن معرفته أو يمكن أن نضع علامات الاستفهام حوله هو موضوع التناقض البارز بين آراء المهندسين ووجهات نظرهم. مَن الجهة القانونية المخوّلة البتّ؟ يفترض أنها البلدية. محمد العطّار (الحاج أبو قاسم)، وهو المالك، يحمّل المسؤوليّة بالمقام الأوّل للسكّان وإهمالهم المستمر بعدم صيانة المبنى خلال فترات متباعدة. لكن الدّعوة القضائيّة قائمة بينه وبينهم. وقد صدر قرار محكمة الأمور المستعجلة بتكليف المهندس الخبير ميشال سماحة الكشف على البناء. وبناءً على التقرير الفني الصادر عنه والذي يتضمّن عبارة «اختلال وعدم متانة البناء لأسباب عديدة»، أصدرت بلدية المريجة تحويطة الغدير والليلكي برئاسة سمير أبو خليل إنذاراً أخيراً للسكان، في 26/7/2017. مذّاك والبلدية تعتبر الحدث حالة طارئة يجب إيجاد حلول لها.
يقول أبو خليل، بوضوح، إن «البلدية تعطي الإنذارات فقط». لا يعترف بأي مسؤولية أخرى. الموضوع «خرج عن نطاق مسؤولياتنا كبلديات». من المسؤول؟ نسأله... «الموضوع صار عند الهيئة العليا للإغاثة». توجهنا إلى اللّواء محمد خير. علامات عدم الرّضى كانت بارزة على وجه خير حين أعلمناه بما قاله رئيس البلدية. إذ إنه «حسب المادة 18 من قانون البناء اللبناني، يتوجب على كل من المالك والبلدية البحث في موضوع ترميم البناء، على أن يتكلّف المالك بما يتطلّبه التّرميم ويعلم البلدية بكل خطوة يقدم عليها». أحالنا إلى العطار مجدداً. يشددّ الأخير على عدم تكلّفه بالتّرميم، الذي قدّرت تكاليفه بنحو مليون و300 ألف دولار. للعطّار وجهة نظره «الخاصّة» هو الآخر... «البناء مرّ عليه سبعة عشر عاماً. منذ سنتين، بدأ الحديث عن عدم ثبات للأساسات واهتراء للأعمدة الحديدية وغيرهما». يصرّ على أن السكّان مهملون وهم من يتحملون المسؤوليّة. يتحدث عن 17 عاماً كما لو أنها مئة عام. ولديه وثيقة يعتبرها «الدّليل على صحة نظريته»، إذ إنه في «تاريخ 21/2/2000 استحصل على كشف لإعطاء رخصة إسكان من المكتب الفني في بعبدا وقد تم تسليم جميع الشقق للمشتركين منذ ذلك التاريخ». لذلك، يعزو فكرة التصدّعات والتشققات البارزة في عديد من الشقق الموجودة داخل البناء إلى الإهمال من قبل ساكني البناية. ويرد على المهندس سماحة، الذي بدوره اعتبر أن «البناء غير قابل للسكن وقابل للانهيار». المهندس محمد سعيد فليحة (وهو خبير محلف من نقابة المهندسين) رأى أن الأمر «يحتاج إلى الترميم فقط ولا خطورة على انهيار المنشأة». إذاً، القضيّة محصورة بين من سيقوم بدفع تكاليف الترميم. يرفض عطّار هذه «المسؤولية»، معتبراً أن الأمر «واجب على السكّان»، مشيراً إلى أن المبلغ ضخم جداً وأن لديه «أولاداً أريد إطعامهم». الجدير بالذكر أن «الحاج أبو قاسم» شدّد على عدم الاستهانة بتشويه سمعته، إذ إنه يمتلك «أكثر من 250 مبنى في الضاحية»، ورأى أن الأمر «أصبح ابتزازاً من قبل المهندس غ. د. رئيس لجنة البناية وأحد القاطنين في المبنى». يبقى أن للّواء خير رأيه الخاص في القضيّة. يقول إنه «حسن النية»، وإنه يسعى إلى التدخل وحل هذه الأزمة في أقرب وقت. وطبعاً، لا نعرف متى يكون «أقرب وقت»، وهل يأتي هذا «الوقت» قبل أن ينهار المبنى؟ اللواء خير يتحدث عن «الزبدة»، كما يسمّيها، وهي برأيهِ تقضي بأن «يجمع الساكنون ما يمكن تجميعه من أموال وتقديمها إلى البلدية التي تتواصل بدورها مع وزارة الداخلية لنصل أخيراً إلى مجلس الوزراء». وهي صيغة لا تختلف كثيراً عن صيغة صاحب المبنى، وتحمل السكان المسؤولية بطريقة غير مباشرة.
الضباب يحيط بـ«الكواكب» من كل جوانبها من دون معرفة المصير الذي سيحلّ بها. السقف متصدع. روايات المعنيين متصدعة أيضاً. ويجب إيجاد حل سريع، قبل أن تنهار «الكواكب».

المصدر: جريدة الأخبار - حسن رمضان