فيما تتكثف اجتماعات القوى السياسية لصوغ التحالفات الانتخابية، يكثر الكلام عن قانون الانتخاب، حسناته وسيئاته، واحتمالات تعديله بعد الانتخابات

إحدى الثوابت الأساسية التي أظهرتها حتى الآن حماوة الاستعداد للانتخابات النيابية في السادس من أيار المقبل، أن أول بند على جدول أعمال المجلس النيابي الجديد والحكومة المنبثقة منه، سيكون تعديل قانون الانتخاب. هناك من يقول من القوى السياسية إنّ ما لم يكن ممكناً إنجازه قبل الانتخابات سينجز بعدها، ولن يترك الأمر معلقاً، كما حصل بعد انتخابات 2009.

لا يعني ذلك أن القوى السياسية ستطيح القانون برمته، أقله حتى الآن، إلا أن هناك وقائع أظهرتها المشاورات الانتخابية، دلت على أن هناك ثغرات في القانون تحتاج إلى تصحيح، فضلاً عن أن البنود «الإصلاحية»، بحسب تعبير التيار الوطني الحر، علق العمل بها حالياً بفعل الخلافات السياسية. علماً أنّ من المبكر الحكم قبل حصول الانتخابات وصدور النتائج، على كثير من التفاصيل التقنية التي يشكو منها المعنيون، وبينهم واضعو القانون أنفسهم. وفي ظل التخبط الذي تعيشه القوى السياسية في مقاربة هذا القانون، يعتقد أحد السياسيين الحزبيين أن إحدى فضائل هذا القانون أنه سيحسن أداء الطبقة النيابية في السنوات الأربع المقبلة، لأن النواب الحاليين المرشحين أيقنوا أن لا بوسطات ولا كتل رافعة تجعهلم يفوزون في مجلس النواب، من دون أي جهد شخصي، كما يحصل حالياً مع نواب من كتل سياسية وازنة، استفاقوا فجأة على ضرورة التحرك لتأمين العودة مجدداً إلى مقاعدهم.

سياسياً، هناك نزعة للتفريق بين التحالف الانتخابي والتفاهم السياسي. ما يتفق عليه الرئيس نبيه بري مع رئيس الجمهورية ميشال عون في موضوع النفط وحقوق لبنان في مواجهة إسرائيل، لا شأن له بكل الملف الانتخابي. في هذا الملف، ضراوة سياسية، لأنها تضع بري وحركة «أمل» في مواجهة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل. ما «استرده» باسيل من الحركة في جزين، سيكون عنواناً للحركة في أكثر من دائرة، للحصول على حصص ليس للحركة بل لقوى مسيحية حليفة، وإلا فكيف يمكن تبرير العمل على دخول تيار المردة مثلاً إلى بعبدا، أو تركيب تحالفات بين جميع خصوم التيار الوطني. وكما يقول سياسي فاعل، الترشيحات في بعض الدوائر أهم من الفوز. وبعبدا مثال كما جبيل وزحلة حيث التحالفات تفعل فعلها، وتترك حضورها ترشحاً واقتراعاً.
والتفاهم السياسي الذي يعمل عليه خلال اللقاءات بين تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية»، بعد الخلاف الذي نشب إثر أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري، قد لا يترجم على الأرجح تحالفاً انتخابياً، لأن أولوية «المستقبل» حالياً التفاهم مع «التيار الوطني» في دوائر محدودة. وهذا أمر يعرفه رئيس حزب القوات سمير جعجع، الذي يدرك أن أمامه فرصة في انتخابات عام 2018، لم تسنح له في الدورتين السابقتين. وفق ذلك، لا يمكن القوات بعد هذا الاستحقاق التذرع بعوامل إقليمية أو سياسية أو مالية، وحتى أمنية، لتبرير أي أخطاء استراتيجية انتخابياً، سواء في اختيار المرشحين أو صياغة تحالفات مدروسة، لتحقيق الفوز الذي تأمله. الأمر نفسه ينسحب على التيار الوطني الحر الذي يواجه امتحاناً قاسياً لتحقيق نسبة فوز معبرة، من خلال تحالفات يظللها رئيس الجمهورية، لكنها ستكون مسؤولية رئيس التيار أولاً وآخراً، بعدما أعلن فشله في تحقيق ما يريده من قانون الانتخاب.
وعلى هامش المشاورات الانتخابية والترشيحات، تبرز يومياً مؤشرات تعطي المشهد الانتخابي نكهة مختلفة عمّا سبق أن عاشه لبنان في دورتي 2005 و2009.
يبدو واضحاً حجم التخبط الذي تعانيه الماكينات الانتخابية في مقاربتها كيفية وضع المرشحين المحتملين. ثمة فوضى «علمية» في قراءة القانون ونتائجه، حتى قبل أن تتبلور التحالفات وترسو على خريطة نهائية. لأن إسقاط نتائج القانون الأكثري في الدورات السابقة على انتخابات عام 2018، أمر يحتاج إلى كثير من الدراية والعناية. فالقانون الحالي يختلف عمّا سبقه كما طريقة تطبيقه والتحالفات والجو السياسي العام. والمشكلة أن دراسة التحالفات وتقسيم المناطق بين الحلفاء والخصوم تنطلق من قواعد مغلوطة، الأمر الذي بدأ يضع الجميع أمام استحقاقات تظهر سلبياتها حتى قبل إعلان الترشيحات والتحالفات، ومع اقتراب موعد الانتخابات.
في الترشيحات، يتركز الاهتمام الأكبر على طبقة رجال الأعمال. ولّى زمن المشرعين والحقوقيين والأطباء والمهندسين، كما كان لبنان يتغنى في مجالس ما قبل الحرب، في عزّ نهضته التربوية والثقافية. أما في عام 2018، فتظهر أولى الأسماء المطروحة للترشيح أن الغلبة ستكون لنوعين، إما حزبيين مطواعين لرؤساء أحزابهم، وإما فئة رجال الأعمال التي كانت موجودة في المجالس السابقة، لكنها في طريقها كي تصبح الأولى بين النواب، لكون «الطلب» عليها يتزايد بوضوح.
في المقابل، فقد أشاد سياسيون فاعلون باختيار الرئيس نبيه بري للوزيرة عناية عز الدين على لوائح المرشحين للنيابة، انطلاقاً من أداء الوزيرة التقني في مجلس الوزراء ومتابعتها لملفاتها، واختيار امرأة من النادي غير التقليدي وغير الوراثي، بخلاف أحزاب وتيارات سياسية فاعلة، لم تقم بالأمر نفسه حتى خلال تشكيل الحكومة. وكان يفترض أن يترك هذا الترشيح تحدياً كبيراً أمام القوى السياسية، ولا سيما تلك التي تضع مطالب إصلاحية في مقدم اهتمامها، لكن ذلك لم يحصل. لا بل إن الترشيحات النسائية في طريقها كي تكون دعائية، أو لزوم ما لا يلزم، أكثر منها سياسية فاعلة.

المصدر: جريدة الأخبار - هيام القصيفي