ينتظر أن ينعقد مجلس الأمن مجدداً للتصويت على مشروع قرار معدل يطلب إقرار «هدنة» لمدة شهر في سوريا، بعد توزيع مسودة معدلة قدمها الوفد الروسي. وبالتوازي، ردّ الجيش السوري على قصف صاروخي تركي استهدف قافلة مساعدات على طريق عفرين، في احتكاك ميداني مباشر بين القوات الحكومية السورية والقوات التركية في ريف حلب الشمالي
انفضّت جلسة مجلس الأمن التي عُقدت أمس، وخُصصت للحديث عن التصعيد في دمشق وغوطتها الشرقية، والتي جاءت بطلب من الجانب الروسي، من دون تصويت على مشروع القرار الكويتي ــ السويدي، الذي يقترح هدنة لمدة 30 يوماً في كل سوريا، تستثنى منها تنظيمات «داعش» و«القاعدة» و«جبهة النصرة». الامتناع عن التصويت جاء بعدما أكد الوفد الروسي «عدم التوافق» على بعض تفاصيل المشروع المقدم، وأشار إلى وجود مسودة «مطورة» من مشروع القرار، أجري عليها عدد من التعديلات التي سوف تتيح قبول موسكو مضمون القرار.
المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، لفت إلى أن التعديل المطروح يجعل القرار «واقعياً وذا مغزى»، مشيراً إلى أن المشروع الأصلي لا يوضح أي تفاصيل عن ضمانات «الهدنة» المقترحة. ولفت مندوب السويد لدى الأمم المتحدة، في حديث إلى الصحافيين، إلى أن تصويت مجلس الأمن على المشروع المعدل قد يتم اليوم. وبدأت الجلسة أمس، باستعراض قدمه فريق الأمم المتحدة للوضع في الغوطة الشرقية، لتستمر بعده وفود الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، ضمن جهودها للضغط على دمشق وموسكو، عبر الملف الإنساني، إذ أكدت نائبة المندوبة الأميركية كيلي كيري، أن بلادها مستعدة لدعم المشروع الكويتي ــ السويدي، في حال طرح للتصويت عليه. وقالت إن «النظام سوف يواصل قصف 400 ألف مدنيّ في الغوطة، معولاً على الدعم الذي تقدمه روسيا له». وبعد سيل من التصريحات المنددة بالتصعيد العسكري في الغوطة، ردّ المندوب السوري بشار الجعفري على تلك الاتهامات، بعد سجال مع رئيس الجلسة بخصوص الوقت المحدد للحديث، ولا سيما أن الجلسة مخصصة للوضع في سوريا. واعترض الجعفري على تجاهل عدد من الدول الأعضاء إطلاع وفد حكومة بلاده على مشروع القرار، إلى جانب تجاهل التقرير الأممي لما يجري من استهداف لأحياء العاصمة السورية دمشق، من قبل الفصائل المسلحة في الغوطة. وعن التصريحات بأن ما يجري في الغوطة يمهد لتكون «حلب الثانية»، دعا الجعفري أعضاء المجلس إلى زيارة حلب لمعرفة ما جرى عقب تحريرها، وأكد أن الغوطة ــ بهذا المنطق ــ ستكون «حلب الثانية» كما ستكون إدلب «حلب الثانية»، وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة.
وحتى وقت متأخر من أمس، لم يتم الكشف عن طبيعة التعديلات التي قدمتها موسكو على مشروع القرار المقترح، وخاصة أنه خضع لتعديلات خلال الأسبوعين الفائتين، منها استثناء المنظمات المصنفة «إرهابية» من الهدنة المقترحة. وأوحى حديث المندوب الروسي أمس، بأن بلاده تسعى إلى توضيح آليات ضمان الهدنة ومراقبتها، لتكون ذات فاعلية على أرض الواقع. وقد تسعى موسكو عبر مشروع القرار إلى إحياء الآلية التي سبق تضمينها في اتفاقات هدن الغوطة الشرقية الماضية، التي كانت موسكو والقاهرة والرياض رعاة لأحدها. ويأتي هذا الجهد الروسي بالتوازي مع نشاط دبلوماسي لافت، حمل المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، إلى دمشق، للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وبحث عدد من الملفات والتنسيق بين البلدين. وجاءت تلك الزيارة في وقت نقلت فيه مواقع مختصة بمراقبة حركة الطيران، انتقال طائرة خاصة روسية (يرجح أنها مخصصة لنقل الوفود الدبلوماسية الروسية) من العاصمة دمشق إلى الرياض. وبالتوازي، ذكر مسؤول في وزارة الخارجية الروسية، أن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، التقى السفير السعودي في موسكو، رائد بن خالد قرملي، لبحث التطورات الأخيرة في سوريا والمنطقة.
وبعدما كشفت وزارة الدفاع الروسية أمس، عن فشل المحادثات الهادفة إلى إخراج المسلحين من الغوطة الشرقية وضمان تجنيبها عملاً عسكرياً، جدد وزير الخارجية سيرغي لافروف، التأكيد على تلك النقطة، وقال في مؤتمر صحافي في بلغراد: «قبل بضعة أيام، عرضت قواتنا في سوريا على المقاتلين انسحاباً آمناً من الغوطة الشرقية على غرار إجلاء المقاتلين وعائلاتهم الذي تم الترتيب له في شرق حلب»، مضيفاً أن «جبهة النصرة وحلفاءها رفضوا بشكل قاطع العرض وهم... يستخدمون المدنيين في الغوطة الشرقية دروعاً بشرية». من جانبه، رفض الكرملين، اتهامات وجهت إلى روسيا بالمسؤولية عن الوضع في الغوطة الشرقية. وقال المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف، إن «من يدعمون الإرهابيين هم المسؤولون... لا روسيا ولا سوريا أو إيران».
وفي انتظار ما ستفضي إليه الجلسة المرتقبة للتصويت على القرار، شهد الشمال السوري أمس، تصعيداً جديداً مع استهداف القوات التركية واحدة من قوافل الدعم، التي كانت في طريقها إلى عفرين انطلاقاً من مناطق سيطرة الجيش السوري. وأفادت المصادر بأن القافلة المستهدفة كانت تضم مساعدات لدعم أهل منطقة عفرين، قبل أن يستهدفها قصف مدفعي وصاروخي تركي، ما أدى إلى احتراق محتوياتها، ليقوم الجيش السوري بالرد على مصادر إطلاق الصواريخ التي استهدفت القافلة، بشكل مباشر، وفق ما أفادت مصادر عسكرية، من دون تحديد النقاط المستهدفة. غير أن وسائل إعلام معارضة أشارت إلى قصف استهدف بلدة مارع الخاضعة لسيطرة القوات التركية، أمس. وجاء هذا التصعيد بعدما شهدت مدينة عفرين تجمعاً جماهيرياً في واحدة من ساحاتها الرئيسية، للترحيب بوصول «قوات شعبية» إلى المنطقة للمشاركة في صد العدوان التركي. وأكد المحتشدون الذين رفعوا الأعلام السورية أن منطقتهم جزء لا يتجزأ من الأرض السورية. وأتت الوقفة بالتوازي مع وصول دفعة جديدة من «القوات الشعبية» إلى عفرين، في وقت قالت فيه «الوحدات» الكردية إن المقاتلين في تلك القوات انتشروا على الخطوط الأمامية ضد الأتراك. وتزامن ذلك مع تطور لافت، تمثّل في دخول القوات الحكومية إلى أحياء في مدينة حلب، كانت تخضع لسيطرة «الوحدات» الكردية، وأشارت تصريحات نقلت عن مسؤولين أكراد، الى أن الخطوة أتت عبر اتفاق مع الحكومة السورية، بالتوازي مع دخول قوات الجيش السوري إلى بلدة تل رفعت، في ريف حلب الشمالي، والتي تعد موقعاً متقدماً محاذياً لوجود القوات التركية والفصائل التي تقاتل معها، في محيط بلدة مارع. ونقلت وكالة «رويترز» عن قائد قوات «الوحدات» الكردية في مدينة حلب، فرات خليل، قوله إن مقاتلي «الوحدات» الذين كانوا ضمن تلك الأحياء توجهوا إلى منطقة عفرين للمساعدة في صد العدوان التركي و«لذلك وقعت الأحياء الشرقية من مدينة حلب تحت سيطرة النظام»، على حد تعبيره.