وارتفعت بكائيات الانسانيين الجدد بحسب السعر المدفوع، فتراوحت بين تغريدة "سادة" على تويتر او منشور مذيل بصورة غير متقنة على فايسبوك بالحد الادنى، وبلغت اقصاها على المنابر الداعمة للارهاب، عويلا واستغاثة: انقذوا اطفال الغوطة.
حسنا، دعونا نسلم جدلا ان الصور المتداولة غير مفبركة، وان لم يجهد مصوروها ومخرجوها في محاولة جعلها تبدو واقعية، ودعونا نفترض ايضا ان في الغوطة مدنيين لم تصلهم المنشورات التي ابلغهم عبرها الجيش العربي السوري بوجوب مغادرتها عبر ممرات آمنة، ضامنا لهم امنهم وغذاءهم ودواءهم، مشترطا فقط ان لا يكون بحوزتهم اي سلاح اثناء العبور، ولنقبل فرضية ان هؤلاء المدنيين كانوا يعيشون بأمن وامان قبل ان يبدأ الجيش السوري عملية تطهير الغوطة من الارهابيين، وان بدت هذه الفرضية شديدة البلاهة.. لنقبل بكل ما سبق، ثم نطرح على انفسنا، على انسانيتنا الحقيقية الاسئلة التالية، علما بأننا، كحقيقيين اصحاب مواقف مبدئية، غير ملزمين بأي حال من الاحوال بتبرير عدم انضمامنا لقوافل البكاء الممول تجاه ما سمي بأطفال الغوطة ومدنييها، فنحن، وبكل موضوعية، لسنا موضع مساءلة في انسانيتنا.. بل نحن من يحق لنا ان نسأل، وان نقول للكاذبين انهم كاذبون، بالادلة القاطعة.
هي الحرب، الحرب التي بدأها آل سعود كأداة أميريكية وكمصنع للارهابيين ضد سوريا.. الحرب التي اتخذت من اطفال سوريا كلها دروعا بشرية.. الحرب التي اثخنت كل سوري وطني بألف جرح.. هل يحق للدولة السورية ان تتجاهل كل ذلك وترضخ للارهاب كي لا يمسها لسان سوء ويتهمها بقتل الاطفال؟ هل يحق للرئيس بشار الاسد ان يسامح بالدم السوري الذي فاض عن استيعاب الارض ويقول لن اقصف الغوطة وكر الارهابيين كرمى لعيون الناشطين الافتراضيين شديدي الحساسية؟ هل يحق لكل مكون سوري شرب من ماء الشام واشتم ياسمينها ان يقبل بأن يعيش فيها الارهابيون آمنين ويقصفون البيوت والمدارس ويمارسون كل انواع الارهاب الذي تعلموه في مدارس السعودية وجامعات أميركا؟
هي الحرب، وفي الحرب لا كفوف بيضاء، وهي ليست حربا الكترونية.. هي حرب حقيقية يخوضها بواسل حقيقيون ضد مسوخ بشرية.. هي حرب وجود.. وهي ككل حرب، يسقط فيها ابرياء، ولا يتحمل دمهم الا من أهدره حين حولهم الى درع بشري واداة ابتزاز.
ثم أنه لا مفاضلة بين بريء واخر، كيف يمكن ان نصدق عهر الباكين على اطفال الغوطة، وهم يتفرجون على اطفال اليمن تحت انقاض بيوتهم التي يقصفها الطيران السعودي الجبان، او الذين يجفون كالورد ويموتون مدججين بالعطش، مخضبين بحاجة اجسادهم الى الغذاء والى الدواء؟ كيف لم تبك في اولئك ارواحهم التي تدعي الانسانية زورا وهم يبررون للصهيوني قتله اطفال فلسطين وسرقته حياتهم في كل لحظة؟ كيف يرون اليوم تحديدا مشهد البيوت الدمشقية التي تحولت بفعل قذائف الارهابيين الكامنين في الغوطة الى ركام يضم عائلات واطفالاً؟
كيف لا تتحرك عندهم جيناتهم اللاعنفية الا عندما يتألم الارهابي ويمرر لهم امر بكاء واستغاثة؟ كيف ينتظرون منا ان نصدقهم وهم الذين اما يتغابون في نشر صور مزورة او مفبركة او يتعمدون استغباء الناس؟ وكيف يمكنهم ان يكونوا على هذا القدر من الحساسية والحزن فيما يمارسون حياتهم الطبيعية الحافلة بالفرح المرتفع الثمن قبل وبعد حفلات البكاء ومنشورات اللعن والغضب؟
هم ليسوا مجرد منافقين.. ليسوا مجرد مرضى مصابين بداء الكذب.. هم جزء من منظومة الارهاب التي كلما تفكك جزء منها تداعى له باقي الاجزاء حزنا واستنكارا.. هم ارهابيون لا يختلفون عن القتلة الذين عاثوا في ارواح السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين والمصريين والبحرينيين قتلا وتفجيرا وذبحا.. ولا بختلفون عن حاشية ال سعود المنتشرة بمراتب وصفات مختلفة في كل شبر عربي.. الباكي على وجع الارهابي ارهابي ايضا، له ما للقاتل وعليه ما عليه.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع