أطلقت حركة الشعب ماكينتها الانتخابية، أمس، معلنة عن برنامجها الانتخابي إذا ما نجح أحد مرشحيها في دائرة بيروت الثانية، إبراهيم الحلبي (المقعد السني) وعمر واكيم (المقعد الأرثوذكسي)، في اختراق «لوائح السلطة». إذ تعتبر الحركة أن «الانتخابات المقبلة فرصة لمصارحة الناس حول النتائج الكارثية التي أوصلتهم إليها الطبقة السياسية الحاكمة، على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية».
وأكد رئيس الحركة ابراهيم الحلبي أن أساس خوض الانتخابات سياسي، محدِّداً المبادئ والقناعات: «مع عروبة لبنان وضد المشاريع التفتيتية، مع فلسطين وتحريرها وضد العدو الإسرائيلي وكل من يتحالف معه من تحت الطاولة أو فوقها. مع المقاومة بكل أشكالها إن كانت مسلحة أو مدنية أو ثقافية أو شعبية وضد الغزو والاحتلال والتطبيع». في الموقف من النظام الطائفي، قال الحلبي إن المسعى هو لتغيير هذا النظام الى نظام سياسي ديموقراطي عادل والذي يبدأ من قانون انتخابي خارج القيد الطائفي وإنهاء المحاصصة الطائفية على الكهرباء والماء والنفط والخلوي والنفايات إلى ما هنالك. وبالنسبة إلى الحلبي، فإن الأهم هو تطبيق مبدأ «من أين لك هذا، ومحاسبة كل الفاسدين، إعادة صياغة السياسة الاقتصادية والاجتماعية، تفعيل دور المرأة، استعادة الأملاك العامة، تأمين حق كل الناس في المسكن والدواء والماء والاستشفاء وغيرها من السبل الأساسية للعيش بكرامة». وختم الحلبي بإعلان شعار الحركة في الانتخابات النيابية المقبلة: «باسم الشعب».
أبو ربيع يراهن على البيارتة
يصعب تسخيف المعركة الانتخابية في العاصمة وإخراجها من الإطار السياسي أو الهوية. هو صراع يتأرجح بين مشروعين: الأول، يريد تغليف العاصمة بعلبة براقة غالية الثمن ويجعلها متاحة للأثرياء فقط. عملياً، هي شركة عقارية تنهب ممتلكات البيروتيين وتسيّج مدينتهم بأحزمة باطون لمنعهم من دخولها وتسهيل بيعها في البورصات العالمية. الثاني، يرى في بيروت اكثر من بقرة تدر الأموال؛ يؤمن بأن أهلها، الفقير منهم والغني على حدّ سواء، هم ثروتها ويجب الحفاظ عليهم لا تهجيرهم الى البلدات الملاصقة. يريدها بيروت «الشعب» التي تصدح بصوت الزعيم العربي جمال عبد الناصر، بيروت الطريق الجديدة وزاروب الطمليس وحي اللجا والباشورة وزقاق البلاط وعائشة بكار والزيدانية.
«سقط المشروع الأول بفعل الشعب، وبنضال المجموعات التي رفضت تسليم مفاتيح العاصمة الى آل الحريري وما يمثلون. بالبيوت الصغيرة المختبئة في الأحياء الفقيرة التي حمت بيروت بأجسادها وأجساد أولادها»؛ يقول رئيس «حركة الشعب» إبراهيم الحلبي، الذي كان واحداً من أولئك الفتية الذين امتشقوا السلاح، وهم في مقتبل العمر، دفاعاً عن عروبة بيروت ولبنان.
لم يته الحلبي يوماً في تحديد خياراته ولا القضية التي يؤمن بها. هو ابن البيت الذي فتح أبوابه 40 يوماً لتقبّل التعازي بوفاة جمال عبد الناصر. المنزل المتواضع بطبقتيه المشيّدتين في أوائل القرن الماضي، في شارع أبو سهل في محلة الفاكهاني في قلب الطريق الجديدة. منزل لطالما حجّ اليه الثوار. منه انطلق «أبو ربيع» في مشواره النضالي. كان لوالده أبو خالد وشقيقه خالد الأثر الأكبر في التحاقه وأشقائه الأربعة الباقين بالحزب الشيوعي اللبناني. خاض الشاب البيروتي تجربة المقاومة القتالية في الشارع وخطوط التماس والتجربة الأمنية التي جعلته لصيقاً بالشخصيات القيادية في الحزب الشيوعي، وأولها جورج حاوي. كان حبيب صادق هو من أطلق عليه لقب «أبو ربيع» الذي ظل ملتصقاً به حتى اليوم. قربه من حاوي أغنى مشواره كثيراً، خصوصاً مع انتقاله برفقته الى دمشق في الثمانينيات (حقبة أمين الجميّل). شارك الشيوعي السابق في انتفاضتي 83 و84 في العاصمة، وتسلم خلال الثانية أولى مسؤولياته الحزبية التنظيمية مسؤولاً عن منظمة الطريق الجديدة، حيث أعاد لمّ شمل الشيوعيين، مفتتحاً مركز «القصر» في شارع عفيف الطيبي، ليصبح أحد أعضاء قيادة الشيوعي في بيروت، وعضواً في المجلس الوطني للحزب.
شكّلت بداية التسعينيات منعطفاً حاسماً في مسيرة «أبو ربيع» الذي قرر مغادرة رحلة التفرغ العسكري والتنظيمي في الحزب الشيوعي التي كان قد بدأها في عام 1975، والالتفات إلى مستقبله المهني وعائلته الجديدة. الاستقلال الاقتصادي أسهم في بلورة خياراته السياسية ووسّع هوامشه. بعد انتخابات عام 1992، شكّل وعدداً من الشيوعيين حالات اعتراضية سرعان ما تحلق بعضها حول نجاح واكيم. إبراهيم الحلبي كان أحد هؤلاء، خصوصاً في ظل حالة من الميوعة السياسية ميّزت موقف الشيوعيين في تلك المرحلة. سرعان ما أدار «أبو ربيع» الماكينة الانتخابية للائحة معارضة الحريرية السياسية في عام 1996، وكانت النتيجة تمكّن واكيم من الفوز بمقعد نيابي، فانطلقا معاً مع آخرين، أمثال أمين قموريه وسايد فرنجية وعلي منعم لتأسيس «حركة الشعب»، لتكون رأس حربة في مواجهة مشروع رفيق الحريري وسياسته التدميرية لهوية بيروت.
في موازاة ذلك، تسلم الحلبي منصب مدير شؤون الموظفين ومدير العلاقات العامة في تلفزيون الجديد، ولا يزال يحمل هذه الصفة وأكثر منها عملياً حتى الآن. في عام 2005، ترشح «أبو ربيع» عن المقعد السنّي في بيروت من دون أن يوفّق، ثم خاض الانتخابات الفرعية التي خذله فيها ثنائي حركة أمل وحزب الله اللذين قاطعا الانتخابات عوضاً عن مساندته فيها. لم يتغيّر المقاتل الشيوعي يوماً. تدرج من نائب رئيس حركة الشعب الى رئيسها، ليكون أول رئيس فعلي لها بعد تنحّي رفيقه نجاح واكيم. معاً حاربا الحريري الأب والابن، في الأوقات الأشد حرجاً، اذ لم يكن من السهل أبداً الوقوف في وجه بلدوزر مدعوم محلياً وعربياً ودولياً. معاً حاولا إفشال مشروع «سوليدير»؛ صحيح أنهما لم يُحمَلا على الأكتاف ولا ترجم انتصارهما في صناديق الاقتراع «ولكنهما كسرا بقوة الشعب مشروع الحريري وشركائه»، على حدّ تعبير أحد رفاقهما. كان لا بدّ في النهاية من أن تهزم منازل الفقراء الصغيرة ناطحات السحاب التي باتت مرهونة اليوم للمصارف ولا قدرة لأصحابها على تسديد ثمنها. حتى بلدية بيروت استدركت الأمر، فهرعت يوم عيد رأس السنة الى استنساخ سوق «أبو رخوصة» الذي شاركت حركة الشعب في تأسيسه، بهدف فتح وسط المدينة أمام كل البيارتة.
اليوم يخوض إبراهيم الحلبي معركته مجدداً «باسم الشعب»، عن أحد المقاعد السنيّة في دائرة بيروت الثانية. لا يملك الحلبي عصا سحرية، ولكنه يؤمن بأن دخول مجموعة جديدة الى المجلس النيابي من شأنها تلوينه والضغط باتجاه إعادة دوره التشريعي والرقابي. والأهم أن قدرة المحاسبة والمراقبة ستكون أكبر، إذ يصعب فعلياً، وفقاً لـ أبو ربيع، أن يحاسب المجلس النيابي نفسه في مجلس الوزراء. يسأل «أبو ربيع» البيارتة الذين اختبروا السلطة السياسية نفسها، منذ عام 1992 وصولاً الى اليوم، عمّا قدّمته هذه السلطة لهم سوى الوعود الكاذبة بالماء والكهرباء وأدنى سبل العيش بكرامة، ليقول لهم: «سوا، قدرتنا على التغيير أكبر».