تكاد زيارة الرئيس سعد الحريري إلى السعودية، وخصوصاً بنتائجها المرتقبة، هي المدخل لبلورة صورة معظم التحالفات الانتخابية والترشيحات المتعثّرة في أكثر من دائرة انتخابية، في ظلّ حالة ترقّب تحكم سلوك بعض القوى السياسيّة التي تنتظر كيف سيحسم تيار المستقبل ترشيحاته وتحالفاته.
يدور كلام كثيرٌ عن انعكاسات الزيارة الرسمية الأولى من نوعها للرئيس سعد الحريري إلى السعودية على الانتخابات النيابية المقررة في السادس من أيار المقبل، لا سيّما في ظلّ التجاذب القائم حول تحالف المستقبل مع التيار الوطني الحرّ وابتعاده عن حزب القوات اللبنانية، حليف السعودية الأبرز في لبنان.
أجواء الحريري في الأيام الماضية كانت تؤشر إلى تشكّل اقتناع لدى تيار المستقبل بأن المصلحة الانتخابية تقتضي تشكيل لوائح من تيار المستقبل وحده لضمان فوز مرشّحيه (إلّا في بعض الدوائر). أكثر من قيادي في التيار يؤكّد أن المستقبل في حال تحالفه مع التيار الوطني الحرّ أو مع القوات في بعض الدوائر، فإنه سيخسر عدداً من مقاعده المضمونة. وعليه، فإن أي تحالف للمستقبل يجب أن يؤمّن مصلحته أوّلاً، ثم مصلحة الحليف المفترض. كذلك فإن تحالف المستقبل مع التيار أو القوات أو سليمان فرنجية، يعني تحالفاً سياسيّاً حصرياً مع الحريري، يمنع المتحالفين معه من التحالف مع أخصامه، وهو ما أبلغه الحريري للأطراف الثلاثة. لذلك، تنتظر هذه القوى عودة الحريري من السعودية لتستنتج ما إذا كان سيبقى على خياراته، أم أن الزيارة سترسم معالم تحالفات جديدة.
ويصلح «انتظار» خيارات الحريري قاعدةً تعمّم على أكثر من دائرة انتخابية، لا سيّما دوائر البقاع الغربي ــ راشيا والشوف ــ عاليه، ودائرة الشمال الثالثة زغرتا ــ بشري ــ الكورة ـ البترون ودائرة طرابلس. ويصل الأمر إلى دوائر أخرى أيضاً جرى الحديث عن أن التحالفات فيها حُسمت، مثل دائرة صيدا ــ جزين ودائرة عكار لمصلحة التحالف مع التيار الوطني الحرّ.
انطلاقاً من الشوف ــ عاليه، يبدو التفاهم الوحيد المتّفق عليه هو بين المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، وحتى هذا التفاهم لا تزال تشوبه شوائب، لناحية تمثيل بلدة برجا ومسألة ترشيح الوزير غطّاس خوري عن المقعد الماروني في الشوف.
وبحسب المعلومات، فإن المستقبل سيقدّم اليوم ترشيح النائب محمد الحجّار فقط من دون خوري. وفيما ترتفع حظوظ عدم تحالف المستقبل مع الوطني الحر في هذه الدائرة، لا ترتفع حظوظ تحالف المستقبل مع القوّات، حتى الآن، ويتوقّف الأمر بحسب مصادر متابعة على نتائج مفاوضات القوات مع المستقبل على مستوى أوسع من دائرة واحدة، وذلك بعد عودة الحريري من السعودية.
في هذه الأثناء، تستمر محاولة النائب وليد جنبلاط استمالة أحد الطرفين، التيار الوطني الحرّ أو القوات، ولأجل ذلك سيزور النائب نعمة طعمة رئيس القوات سمير جعجع في الأيام المقبلة. أمّا في البقاع الغربي ــ راشيا، فلم يحسم المستقبل تحالفه إلّا مع الحزب الاشتراكي، وبالتالي، لم يتّضح بعد مسار التحالف في هذه الدائرة مع التيار الحرّ أو مع القوات، وهو ما يؤخّر اكتمال لائحة قوى 8 آذار، التي لا تزال تنتظر ردّاً من العونيين. وهذه الدائرة ينطبق عليها شرط الحريري، أي عدم التحالف مع خصم المستقبل الوزير السابق عبد الرحيم مراد إذا أراد التيار الوطني الحرّ التحالف مع الحريري في دوائر أخرى. ويزداد الأمر تعقيداً أمام «فيتو» المستقبل والنائب وائل أبو فاعور على نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، في وقت بدأ فيه الوزير جبران باسيل بالمطالبة بمرشّح ثانٍ ماروني على لائحة 8 آذار، للانضمام إلى اللائحة، وهو في نفس الوقت ينتظر عودة الحريري.
وإلى الشمال، حيث الدائرة «الأدسم» ( الكورة ــ زغرتا ــ البترون ــ بشرّي)، من الملاحظ أن سليمان فرنجية والتيار الحر والقوات ينتظرون قرار الحريري، الذي تتوقّف عليه أمور كثيرة في الدائرة وخارجها. فإذا تحالف الحريري مع فرنجية في هذه الدائرة، فسينعكس أمر تحالفهما على حساباتهما الانتخابية في دائرة طرابلس ــ المنية ــ الضنيّة، حيث سيكون لزاماً على فرنجية أن يتحالف مع المستقبل في هذه الدائرة على حساب حلفائه الطبيعيين، مثل الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق فيصل كرامي والنائب السابق جهاد الصمد، وكذلك سيكون فرنجية ملزماً في عكّار بالانفكاك عن لائحة قوى 8 آذار، فيما يعوّل باسيل على تحالف الحريري معه في هذه الدائرة (البترون وزغرتا والكورة وبشري) تعويلاً كبيراً لضمان أصوات المستقبل في البترون، بينما تستفيد القوات اللبنانية في حال تحالفها مع المستقبل بشكل مباشر في الكورة بضمان فوز مرشّحها.