منذ التحرير عام ٢٠٠٠ حتى يوما هذا، شكّل موضوع العملاء محطة محاكمة للمفاهيم الوطنية. فالعملاء الذين تناثروا من "جيش لحد" منهم من سلم نفسه للقضاء اللبناني لتأتي الاحكام اشبه بمهزلة تفتح جراح القلوب التي تفنن في تمزيقها "جنود لحد" بالنيابة عن الصهاينة اثناء الاحتلال.. ومنهم من فرّ ذليلا ضمن طوابير الى الارض المحتلة.. هؤلاء، وجدوا من يسميهم يوما "اللبنانيين المبعدين".. بل وجدوا راعيا يدوس في الف جرح ويزورهم ويكرمهم ويصلي لأجلهم..

ابتلع الناس الوجع على مضض.. اكتفوا بتحاشي اللقاء بوقاحة العملاء الذين تجرأوا على العودة الى القرى، وضعوا قلوبهم على اكف المقاومين وقالوا فليكن.. نحن لا نريد انتقاما.. لنا شرف ان الارض تضمنا برفق يوم نموت ولهم، اي للعملاء، قهر ان يلفظهم التراب.. حاولوا التعاطي مع جرح "تعزيز العملاء والبحث عن اعذار لهم" بدمعة صامتة تذهب بهم الى ايام الاحتلال وتشهد معهم كل تفصيل مما ارتكب العملاء.. وتعود بهم الى الارض المحررة فيمسحونها قائلين "الحمدلله تحررنا".. الا ان جرح التساهل مع العملاء، ولو غطوه بألف ضماد من ثقة بالقضاء ومن وعي وطني قياسي لم يلتئم يوما.. لا سيما ان في كل مرحلة، يعود الى واجهة القلوب، بخبر عن عميل.. او بخبر عن تبرئة سياسية لمتهم معترف بالعمالة!

لن نخوض الان في لامنطقية تفاصيل قضية زياد العيتاني، فلهذا الشأن اهله والخبراء.. لن نتحدث عن الاستخفاف بعقول الناس ، كل الناس، في الحديث عن فيلم هوليوودي كان هدفه النيل من "مثقف".. لن نتحدث عن الفارق بين ثقافة الاعتذار ووقاحة المطالبة بالاعتذار.. لن نبحث طويلا في حكاية استبدال التهمة المدعمة بأدلة واعترافات بحكاية لا تنطلي على عقل طفل وهدفها، للأسف، انتخابي مرحليا، وتطبيعي على المدى البعيد.. لن نؤكد المؤكد بالقول ان لا يمكن، بالمطلق، ان يتساوى حتى المتساهل بموضوع العملاء مع اصغر قلب جريح من فعال العملاء، قبل التحرير وبعده.. لن ندخل في بازار استعراضات وقحة.. لن نحاكم الا بعيون قلوبنا.. لكننا ملزمين بكل ما اوتينا من وعي، والوعي ان لم يكن وطنيا مكانه النفايات، ومن عاطفة، والعاطفة ليست ضعفا بل هي سمتنا نحن الناس، ومن فطرة، والفطرة هي ما تركه تراب الارض على ارواحنا من اثر خصب نزرع فيه زهر اعمارنا وعقولنا.. بكل ذلك نحن ملزمين ان نعتذر.. ان نعتذر عما قاله السفهاء وفعله السفهاء.. ان نعتذر من انفسنا يوم صدقنا، بمثالية وشفافية، انه يمكن للسياسة ان تزرع في نفوس المأجورين قليلا من الكرامة.. ان نعتذر من عيون الشهداء الذين ذهبوا كي يبقى البلد ويبقى الناس، حتى الناس الذين يتبجحون اليوم بالتنظير حول انهاء الصراع.. ان نعتذر من قلوب امهات انتظرت بصبر خبرا عن ابن مقاوم، وبكت بصمت تحت عتم الاحتلال كي لا يستجلب صراخها ارتال "كلاب لحد" الى دارها.. ان نعتذر من الارض التي لو استطاعت لانشقت وما ارتضت ان يسير عليها بنفس الزمن مقاما بعلو مقاوم، وسفاهة باتساخ عميل.. ان نعتذر من الهواء، من الشجر، من المواسم التي ازهرت فيها صور الشهداء كزهر اللوز.. من المطر الذي لو اجتمع كله لما استطاع ان يغسل عن العميل عاره..

هنا فقط تحط اعتذاراتنا، وننهمر دمعا وغضب.. اما امام افلامكم التافهة، سواء في الاتهام او في التبرئة، فلكم الى اخر الزمان عار التساهل واللعب في موضوع حارق كموضوع التعامل مع العدو ومحاولة التطبيع، ولنا الشمس، لما زهر اللوز، وربيع الارض.. لنا فطرة ووعي وثقافة المقاومة.


 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع