خطة إجلاء المستوطنين وإخلاء المستوطنات، التي قررت تل أبيب تنفيذها مع نشوب الحرب المقبلة في مواجهة حزب الله، لم تعد «موضوعاً معيباً» يمتنع المسؤولون الإسرائيليون عن تداوله علناً، بل هو «إجراء طبيعي» لمواجهة تعاظم قدرات حزب الله القتالية والتسليحية، وتفرضه ضرورات القتال، وسيناريواته.
وإذا كان الإعلان عن خطة إجلاء المستوطنين غير جديد، وجرى التأكيد عليها مراراً على لسان كبار ضباط الجيش الاسرائيلي، إلا أن الجديد فيها الاعلان أن لا عيب في الحديث عنها، وهي لا تعدّ خطوة تراجعية تنمّ عن ضعف أمام حزب الله، وإن كانت هي كذلك في الواقع.
قائد المنطقة الشمالية في قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي، يتسحاق بار، أشار إلى أن الجبهة الداخلية (بمعنى قيادة الجبهة وجمهور الإسرائيليين) ستفاجأ في مجريات الحرب المقبلة ومضمون سيناريواتها، إن وقعت في مواجهة حزب الله. ولفت في حديث إلى موقع jns اليهودي ــ الاسرائيلي إلى أن «صواريخ حزب الله خلال حرب عام 2006 لم تتجاوز مدينة الخضيرة الواقعة الى الشمال من تل أبيب. أما هذه المرة فإن ترسانة حزب الله قادرة على الوصول إلى كل نقطة جغرافية في إسرائيل».
وقال أفيف ليشم، المتحدث باسم المجلس الإقليمي لمستوطنات الجليل الأعلى، (29 مستوطنة)، إن الامور في مواجهة حزب الله قد تغيرت، والسكان إن وقعت الحرب سيعيشون تحت القصف، ما يعني أن كلمة إخلاء السكان لم تعد كلمة معيبة، و«إذا كان ينظر اليها في الماضي على أنها فرار وتخلّ وضعف، إلا أن الامور باتت الآن مغايرة عن ذي قبل».
خطة إجلاء المستوطنين أو إخلاء المستوطنات، وإن كانت خطة عسكرية فرضت نفسها على قيادة الجيش الإسرائيلي ربطاً بتنامي قدرات حزب لله وخبراته القتالية، وتحديداً ما يتعلق بإمكاناته الفعلية في خوض قتال هجومي وعدم الاكتفاء بالمستويات الدفاعية، الا أن هذه الخطة فرضت نفسها في الموازاة على القيادة السياسية والعسكرية في تل أبيب، بعد أن حفرت قدرة حزب الله وإمكاناته عميقاً في الوعي الجمعي الإسرائيلي، بحيث باتت عملية الفرار الجماعي مسلمة من مسلمات الحرب ومجرياتها، فور نشوبها والإعلان عنها.
خطة إسرائيل للإخلاء أو الإجلاء، كما تسمّيها القيادة العسكرية الاسرائيلية، لا تلغي قرار المستوطنين بالمسارعة إلى الفرار الجماعي، وهي التسمية الأصح للخطة الإسرائيلية الموضوعة للحدّ من تداعيات هجمات حزب الله، إن قرر نقل المعركة إلى أرض العدو.
تهويل بالحرب... من نوع آخر
يبدو أن إطلاق التهديدات الإسرائيلية والتفنّن بأشكالها وتعبيراتها، خرجا عن دائرة التأثير في الساحة اللبنانية أو لم يعودا بمستوى التأثير المطلوب، وذلك ربطاً بتكرارهما الممل غير المصحوب بأفعال، وأيضاً واقع الافراط في إطلاقهما إلى الحد الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن خلفيتهما هي الخشية من حزب الله، أكثر من كونهما تعبيراً عن اقتدار إسرائيلي.
على هذه الخلفية، يبدو أن إسرائيل في صدد تطوير أسلوب تهديداتها. جديدها إشراك عدد من المشرعين الاميركيين، وعلى رأسهم السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام، الذي زار فلسطين المحتلة أخيراً على رأس وفد من الكونغرس، حيث تلقّى «شكوى» من القادة الاسرائيليين بشأن تنامي تهديد حزب الله في لبنان.
على خلفية التهويل، أكد غراهام إمكان نشوب الحرب، بما يشير إلى حتميتها أيضاً، مع ربط السبب الرئيسي لنشوبها بعدم تحرك الإدارة الأميركية لـ«معالجة» ما سمّاه تهديد حزب الله لإسرائيل، وأيضاً معالجة «تمركز» إيران العسكري في سوريا.
وقال غراهام في مقابلة مع قناة «سي بي اس» نيوز الاميركية إن «الشيء الأخير الذي يشغل بالي هو العملية السياسية في الشرق الاوسط، وأوضاع (مستشار الرئيس الأميركي للمنطقة) جيراد كوشنير، إذ إننا على وشك أن نشهد حرباً بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان، وكذلك لأن إيران هي التي تكسب، مقابل أننا نخسر». وأضاف غراهام رداً على سؤال: «كنتُ في زيارة أخيراً إلى الأردن وإسرائيل. الملك الاردني (عبد الله الثاني) يشعر بأنه محاصر، لأن الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية ضد المحور الإيراني ــ الروسي. وكذلك الوضع في جنوب لبنان تحول إلى موقع لإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. لهذا السبب، أنا أركز على إيران واحتوائها، بدلاً من الانشغال في عملية سلام باتت مكسورة».
ذروة التهويل في كلام غراهام هي الربط بين ضرورة أن تتخذ الإدارة الأميركية مقاربة متطرفة ضد إيران، وهو ما يطالب به منذ سنوات وعلى خلفيته عارض الاتفاق النووي معها، وبين حربٍ يرى أن إسرائيل ستشنّها ضد لبنان! بحسب السيناتور الأميركي، «إذا لم نبلور استراتيجية لمواجهة إيران، فسوف نتسبّب في دفع إسرائيل إلى شنّ حرب قريبة ضد حزب الله في جنوب لبنان».