بدعوة من «هيئة دعم المقاومة ومناهضة التطبيع والصهيونية»، عقد أمس لقاء في فندق الكومودور في الحمرا، تحدّث فيه النائب السابق نجاح واكيم والمحامية بشرى الخليل (وكيلة حبيب الشرتوني) والعضو المؤسّس في «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» سماح إدريس، والمحامي غسّان مرعي (تيّار النهضة)، ورئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة» الشيخ ماهر حمّود. وعلّق المشاركون على حكم الإعدام الصادر بحق المقاومَيْن الراحل نبيل العلم وحبيب الشرتوني في تشرين الأوّل الماضي بـ«جرم» اغتيال رئيس الجمهورية السابق بشير الجميّل. وتُليت في اللقاء كلمة من المقاوم حبيب الشرتوني، تنشر «الأخبار» نصها الكامل:
أعلم أن كلمتي هذه ليست من ضمن برنامج الكلمات، ولم أكن حتى أيام معدودة خلت على علمٍ بعقد هذا اللقاء. فقد يُسأل بعضكم عن مصدرها وكيف وصلت، وقد يُستدعى أيضاً للتحقيق كما حصل من قبل مع بعض الصحافيين منذ أول حوار أجري معي حتى آخر حوار، ولو اعترى الصمتُ والغياب عقوداً من الزمن، ليس إلا لأنّ الحكم في لبنان يخشى دائماً قول الحقائق وإحصاء الأرقام التي تعرّي سلوك معظم أفراده المفعم بالفساد وقلّة المعرفة والإهمال، وحتى المكتنف عند البعض للتبعية إلى الخارج، ما يؤدّي في الحالات الحرجة إلى وضعٍ معرّف قانوناً بالعمالة وحتى الخيانة للوطن.
فأزلامُه هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم صفة أهل الحكم والبيوت السياسية، التي لا نجدُ مثيلاً لها حول العالم، يفعلون ذلك فقط لتجميل صورة الواقع القبيحة ليس إلا، أما العابرون بمسؤولياته غير الدائمين كما نظيفو الكفّ فليسوا معنيين بكلامنا هذا.
وعليه أشكركم على رحابة صدرِكم وعلى حضوركم على أمل اللقاء بكم في أحد الأيام.
رأي في قضية اغتيال بشير الجميِّل
من المتعارف عليه بين مختلف الدول عدم تبنّي إحداها لأية قضية اغتيال وقعت ضدَّ أية شخصية سياسية، حتى لو كان لأية دولة من تلك الدول علاقة أو مصلحة بالاغتيال.
ومن المعروف بالتالي أن قضية اغتيال بشير الجميِّل وقعت على عاتقي شخصياً، بحيث لم أنسبها إلى أية جهة رسمية أو حزبية، بل اقتصرت النتائج المترتبة عنها على عائلتي وعليّ، فيما أوعزتُ الأمر بها إلى أحد مسؤولي الحزب المتواري منذ ذاك الحين والمتوفّى في الوقت الحالي.
وجلُّكم يعلم أنني لم أكن فرداً غيرَ منضبطٍ أعملُ لحسابي، بل رفيقاً عقائدياً نفّذتُ ما طُلب مني تنفيذه، ما يحمل على الاعتقاد بعلمي بوجود قرار قومي ربما بالتنفيذ، وعلمي بآلية عمل الحزب مع حلفائه، كما يَستشفُّ أيٌّ كان من الواقع السياسي.
لكن لم يكن دوري ولا في أي يوم التحقيق في القضية بالطبع، إنما أوضحتُ وجهة نظري لمرة واحدة رداً على تصريحات وتهديدات وإيحاءات مختلف الجهات السياسية خلال السنين الفائتة، التي لم يكن هناك مشكل في الأساس قائم بينها حول هذه المسألة بالذات، إنما تسوية على حسابي.
فقد مضى على ذاك التنفيذ 36 عاماً لم أكلّف فيها الجهةَ الافتراضية التي طلبت مني ذلك أي ثمن، بسبب وعيي القومي والتضحية الكبيرة التي تحمّلتها مع ذويَّ، إذ بلغَ عدد ضحايا أسرتي 6، بمن فيهم أبي وأمي، في الوقت الذي لم يُمَسّ فيه أي فرد من أفراد أسرة العلم المقيمين في جبيل والعقيبة وبيروت، ربما بسبب التفاهمات بين المسؤولين الأمنيين في الأحزاب.
وقد فقدتُ كلَّ شيء ما عدا الحياة حتى الآن، إضافةً إلى ما سُرق مني في عهد الجميّل ضمن ملفٍّ سآتي على سيرته في ما بعد، لقاء إنقاذ البلاد من نتائج استمرار بشير الجميِّل ومشروعه في الحكم.
والجميع يعلم أنني نقلتُ المنطقة بهذا العمل من الوقوع حتى أمدٍ غير محدد في هيمنة المشروع الإسرائيلي ــ الأميركي إلى الضفّة المقابلة التي رست عليها بين 1982 ويومنا هذا.
فالنهوض الاقتصادي بدل الحصار، والورقة الدولية والإقليمية التي ربحتْها سورية من خلال تصدّيها للهجمة الشرسة في الثمانينيات حتى التسعينيات كعمق استراتيجي للبنان، وانطلاق المقاومة الوطنية مع ما حققتهُ، ثم انتصار المقاومة الإسلامية، والعلاقة السورية اللبنانية الممتازة حتى عام 2005، وطبيعة النظام اللبناني الذي عادَ إلى رشدِه وإلى الصف العربي بعد سقوط مشروع الجميّل ورحيل أخيه، والجيش الوطني بدل المنحاز كما كان حالُه أيام أمين، والمشاريع كما الأفكار الناجحة كافّة، بما فيها التي أُخذت في الملف المذكور أعلاه ووقفت وراء إنجازاتٍ محليّة وخارجيّة لافتة للنظر، قد حصلت جميعها عندما أزيح الجميّل، ولولا ذلك لأكملت إسرائيل اجتياح 82 وأدخلت المنطقة في عصرٍ مظلمٍ ومبهم، نشاهدُ في فلسطين اليوم وفي كل يوم بعضاً من فصولِه.
ولولا تلك التضحية منّي في سنّ الرابعة والعشرين لتحمّلت البلاد تبعات الذلِّ والهزيمة، فيما كنت انصرفتُ لبناء حياتي الخاصة بنجاح ودون الحاجة لأحد.
وأيُّ طرحٍ مناقضٍ لهذا الطرح، يصبُّ في خانةِ التنازل عن البطولات والمواقف المشرّفة وعن كل من يقدِّمُ شيئاً من ذاتِه في سبيل الأمة، تحت مختلف الحجج والذرائع التي لا تخدمُ في المحصلة غير مصالح سياسية فرديّة. وهذا ما لاحظناه من سلوك بعض المسؤولين الحزبيين الذين أهملوني عمداً أو أزعجوني بالتعاون مع بعض الأمنيين طوال سنوات، أو خافوا أن أنافسَهم على أيّ مكسب أو موقع. وهذا الكلام لا مبالغة فيه، يعكسُ واقعاً معيشاً دام طويلاً وما زالت بعضُ آثاره قائمة.
إذ كيف يُفسَّر أن حبيب الشرتوني هو الشخصُ الوحيد من بين كلّ اللبنانيين الذين اشتركوا في حرب لبنان، ما زالت قضيته عالقة، فيما حُلّت كل القضايا المتعلقة بالحرب من دون استثناء، بما فيها للذين ارتكبوا جرائمَ دنيئة أو مجازر بحقّ الأبرياء أو للذين حاولوا قتل بشير وقتلوا ابنته فيما تقع محاولة الاغتيال وفق القانون الصادر تحت بند الاغتيال ذاته؟!
فإذا كان الملف المُصادر مني والذي لم يدخل في الأصل دوائر القضاء في الدولة هو السبب الواقف وراء ذلك، عندما باع أمين الجميّل محتواه القيِّم إلى أربابه في الولايات المتحدة وإلى أكثر من جهة مستفيدة، سواء في الداخل أو الخارج، فأمست رغباته مُستجابة، فليعلم هؤلاء أنه لم يكن يوماً عبقرياً ليبتكر مضمونه.
وعندما صدرَ قانون عفو عام 1990، حملَ في بنودِه استثناءَ اغتيال ومحاولة اغتيال القادة السياسيين، فتحوّل إلى قانون منافٍ للدستور اللبناني المساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وإلى قانون أعفى من قتلَ المدنيين والأبرياء من اللبنانيين وغير اللبنانيين بعشرات الآلاف، فيما لم يعفِ من قتل أحد أمراء الحرب الذين أشعلوها وقادوها قبل أن تُخمد نيرانها في اتفاق الطائف.
والدستور اللبناني واضح في بنديه المعاقبَين للمتعامل مع العدو حتى الإعدام، والجميع يعرفُ بالوقائع الثابتة كيف أن بشير الجميِّل أسّس ميليشيات نظاميّة تحت مسمَّى الوحدات المركزية للمجلس الحربي وتعدادها 22 ألفاً بإمرته، وأقام مؤسسات عامة مستقلة في مناطق نفوذه على حساب مؤسسات الدولة، وحفَّز إسرائيل مراراً لاجتياح لبنان حتى عشيّة انتخابات رئاسة الجمهورية ليكملَ مشروعه الانعزالي بالتحالفِ معها. وقد أيّدته إدارة الرئيس ريغن التي أرسلت فيليب حبيب في ذاك الوقت لسحب الصواريخ السورية من البقاع قبيل بدء الاجتياح.
والتشريعُ في لبنان كالتشريع في دولٍ كثيرة حول العالم سمحَ لأي فردٍ بالقيام بواجبه في الدفاع عن وطنِه ومجتمعِه إذا عجزت الدولة عن ذلك، والذين عاشوا تلك المرحلة يعرفون كيف أتوا بنواب الأمة لينتخبوا بشيراً تحت السلاح الإسرائيلي وفي ثكنةٍ عسكرية، إمّا بالتهديد أو بالترغيب ببعض الأموال والمكاسب السياسية، حتى إن بعضهم قد استبيح قتله بسبب معارضته الرضوخ.
يصنّفون العملية بالإرهابية لأنها أوقعت مدنيين أبرياء إلى جانب الشخص المُستهدف، فهل حضور الحرب بما توقِعْهُ من ضحايا لا علاقة لها بمجرياتها أمرٌ مستغرب وغير واقعي؟
وهل وقوع ما يزيد على مئتي ألف ضحية من اللبنانيين وحدهم دون غيرهم من الجنسيات نتيجة حروبهم الطائفية والأهلية المفتعلة، كما حروبهم التحريرية والإلغائية العبثيّة واجتياحاتهم المُبرمجة وطموحهم لاعتلاء المناصب والجلوس على الكراسي قبل مرحلة الجميّل وبعدها، لم يكن إرهاباً؟!
وهل الطبيب الذي يستأصلُ عضواً من الجسم كي لا يموت الجسمُ بكامله، أو يقتلُ خلايا حميدة إلى جانب الخبيثة منها أثناء المعالجة، يكون قد ارتكبَ فعلاً جرمياً أو خطأً؟!
وبما أنَّ الاغتيال السياسي هذا لم يعترِه أيُّ هدفٍ شخصي أو مادّي، وبما أنَّ كلَّ الصفّ القومي والوطني والإسلامي قد استفاد منه دون أن يهتمّ على الأقل بمن قام به نيابةً عن الجميع، وبما أن قوانين عفو استُصدرت في ما بعد على قياس جرائم سمير جعجع والأصوليين، ما لا علاقة له بتاريخ القوانين التي تشملُ حالات ولا تسمّي الجرائمَ بأسمائها.
وما دام سيصدر قانون عفو جديد يوازي بين عملاء إسرائيل الفارّين إليها والموقوفين الإسلاميين ومهربي المخدرات ومروّجيها، وما دام قد صدرَ حكمٌ مبرمٌ بالإعدام على حبيب الشرتوني من أعلى سلطة قضائية وبضغوطٍ وأوامر مباشرة من رئيس الجمهورية - كما قال القضاة بأنفسهم - مع ما رافق ذلك من مغالطات قانونية فادحة ومن عدم احترام لاستقلالية القضاء، بقيَ أن نحاول بالأساليب الممكنة والمتاحة متابعة هذه القضية حتى الأخير من دون كلل أو تراجع، في الوقت الذي يتحضّر فيه المرشحون لتقديم طلبات ترشيحهم لانتخابات المجلس النيابي، كما يتحضّر الناخبون لاختيار ممثليهم من بينهم، علّ بعضهم يقلِّلُ من الأنانيّة الفرديّة المعاكسة لمصلحة الناس العامة ويدرجُ هذا الملف ضمن برنامج مدروس وصالح للتنفيذ، ليحسنَ الآخرون الاختيار، فلا يكرّسوا بذلك تسمية الندوة البرلمانية التي تضمُّ من بين معانيها انضمام هؤلاء إلى نادٍ خاص بهم وبأربابهم الذين أوصلوهم إليها، بل يبدؤون بعملية نقل لبنان من طور التشرذم الطائفي والتخلّف العلمي والإفلاس الاقتصادي والعجز الإداري إلى طور المواطنة والحداثة والازدهار ونظام المؤسسات الديمقراطي.
حبيب الشرتوني