لم يصمد طويلاً الاتفاق السياسي ــ الكهربائي بين رئيسي الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري. هذه المرّة، انفجرت بين وزراء الخارجية والطاقة والمال على خلفية ملف تلزيم معمل دير عمار 2. سرعان ما تبيّن أن القلوب مليانة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل. التيار يتّهم الحركة بعرقلة ملفات الكهرباء وبينها تلزيم معمل دير عمار2، لمنعه من تحقيق أي إنجاز يُحسب له (انتخابياً) في الكهرباء. أما الحركة، فتتباهى بوقف هذا التلزيم لأنه يشتمّ منه «رائحة فساد وهدر».. ومجدداً يجد «حزب الله» نفسه محرجاً في خضم اشتباكات الحلفاء المتكررة
مضت خمس سنوات على ملف معمل دير عمار 2 منذ تلزيمه في 2013. يتقدّم أحياناً نحو الحلّ، أو يتعقّد أكثر، تبعاً لبورصة السياسة. في المحصلة، ينام الملف في الأدراج، فيما يطالب المتعهد بأكثر من 700 مليون دولار كتعويض عن عدم تمكينه من المباشرة بالتنفيذ.
أمس، أعيد فتح ملف تلزيم معمل دير عمار 2. وزير الخارجية جبران باسيل قال أثناء مشاركته في برنامج «دق الجرس» إن وزير المال علي حسن خليل عطّل المشروع. ردّ خليل: «أفتخر بتعطيل هذا المشروع لأن فيه محاولة سرقة وهدر وفساد». فجأة، يدخل وزير الطاقة سيزار أبي خليل على الخط قائلاً: «ما أبلغ علي حسن خليل عندما يزوّر الحقائق ويحاضر بالعفة»، وأرفق تغريدته بمستندات تظهر قراراً لديوان المحاسبة أن «من الطبيعي عدم احتساب ضريبة القيمة المضافة ريثما يتقرّر مصدر التمويل نهائياً». ردّ وزير المال بتغريدة: «لن أردّ على الوكيل لأنه يعرف ويحرف كما يطلب منه، والحكم هو القانون». وزير الطاقة لم يسكت وغرّد: «على أساس هو أصيل».
هكذا انفجرت بين التيار الحر وأمل مجدداً، على مسافة أسابيع من تطويق اشتباك بدأ مع تسريب فيديو لباسيل يصف فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ«البلطجي». انتهت الازمة بمصالحة بين الرئيسين ميشال عون وبري وتفاهم على ملفات أبرزها إقرار الموازنة. لكن النار ظلّت تحت الرماد.
بدأ مشروع تلزيم معمل دير عمار في 2013. يومها ألّف وزير الطاقة جبران باسيل لجنة لتقييم العروض، ووافقت على تلزيمه لمتعهد التزم بإنهاء المعمل في فترة زمنية أقصر من غيره بستة أسابيع، مع أنه أغلى بنحو 41 مليون دولار عن غيره. قيمة التلزيم الإجمالية بلغت 360 مليون يورو لتأمين 500 ميغاوط تؤمن أكثر من ثلاث ساعات إضافية من التغذية بالتيار الكهربائي. تأخر تبليغ المتعهد مباشرة العمل ستة أشهر! وعندما تبلّغ المباشرة تبيّن له أن مواقع العمل يشغلها الجيش اللبناني. لم يبدأ التنفيذ. مع ورود أول فاتورة للمتعهد إلى وزارة الطاقة، تبيّن لمديرية الاستثمار برئاسة المدير العام غسان بيضون أن الفاتورة تتضمن ضريبة قيمة مضافة فيما الاعتمادات، استنادا إلى المناقصة، لا تتضمن هذه الضريبة لتسديدها للمتعهد... لم يتوقف السجال من يومها. صدر رأيان لديوان المحاسبة.
الأول، عرضه أبي خليل على تويتر أمس، والثاني بقي مطموساً لكنه معاكس للأول.
المتعهد بدأ يطالب بفواتير التأخير. أبلغ الإدارة أنه اشترى العنفات وأن الاستشاري تأكّد من فاعليتها، وأن كلفة تخزينها تبلغ مليون يورو كل شهر تأخير... بلغت قيمة مطالبات المتعهد اليوم 700 مليون دولار!
قبل ذلك، كلف مجلس الوزراء لجنة مفاوضات لإنهاء المشكلة مع المتعهد. حضر مستشارو رئيس الجمهورية ووزيري المال والطاقة... اللجنة لم تخرج بأيّ نتيجة، خصوصاً أنها كانت تعمل على وقع التقارب أو النفور السياسي بين المعترضين.
فجأة، قرّرت الحكومة تكليف وزير المال بالبحث عن مموّل خارجي، ما يجنّب الغرق أكثر في موضوع خضوع التلزيم لضريبة القيمة المضافة. لم يأت التمويل ولم تنته المشكلة، بل تفاقمت مع السجالات السياسية بين التيار الوطني الحرّ وأمل حول ملف مناقصة البواخر. إصرار وزير الاشغال يوسف فنيانوس ووزراء حركة أمل وحزب الله والقوات على إجراء مناقصة تلزيم البواخر في إدارة المناقصات، شكّل ضربة لوزراء التيار.
تصدّر ملف البواخر أدوات الخلاف السياسي بين التيار والحركة، إلا أن هذا لم يمنع من تحريك ملف دير عمار 2 كلما كانت هناك حاجة. التيار يتّهم أمل بأنها تعرقل الملف حتى لا يحصد التيار إنجاز زيادة تغذية الكهرباء، أما حركة أمل، فتقول إن ملفات الكهرباء فيها هدر وفساد. وبين هذا وذاك، الكهرباء أسوأ ممّا كانت عليه.