لم تعد هناك ساعة ذروة في بيروت. الذروة في كل الساعات، بعدما باتت السيارات أكثر من البشر وأكلت الطرقات والأرصفة، على قلّتها. خلال عشر سنوات قفزت أعداد السيارات المسجلة إلى رقم مهول. عام 2008 كان عدد السيارات المسجلة حوالى 900 ألف، ليرتفع آخر عام 2016 إلى نحو 1,6 مليون سيارة مسجلة. وهذا من دون احتساب ما يقرب من 300 ألف سيارة تتجوّل بطريقة غير شرعية وسيارات الأجانب والنازحين وسيارات النقل العام

يتذمّر اللبنانيون من «عجقات» السير. فيما أغلب السيارات على الطرقات لا تحوي، غالباً، إلا شخصاً واحداً هو «السائق المتذمر» من الزحمة. رغم «العجقة»، لا يتخلّى اللبناني عن «البرستيج»، والمصارف تشجعه على ذلك. إذ تسجل سنوياً 35 ألف سيارة جديدة سنوياً بحسب المستشار في جمعية مستوردي السيارات سليم سعد، ومثل هذا العدد من السيارات المستعملة المستوردة.

المشكلة هي أن الحاجة للتنقل تبقى هي السبب الأساس وراء هذا الانفجار الضخم في أعداد السيارات في ظل غياب شبكة مواصلات حديثة ذات كفاءة تختصر «العجقات» والتلوث والضجيج.
قبل الحرب الأهلية، كان يوجد نقل عام منظم. بعد الحرب، سنة 1994، وبمساعدة شبكة فرنسية، أعيد تفعيل «مصلحة النقل المشترك وسكة الحديد». الفساد والفوضى والتزوير عطّلت قيام هذا القطاع المهم بشكل حقيقي وفاعل. لكن هذه ليست وحدها مشاكل النقل العام. فهو، إلى ذلك، لا يغطي المناطق كافة في بيروت وخارجها، ولا يتبع توقيتاً محدداً وخطة سير واضحة كما في البلاد المتحضرة. لبنان «السياحي» لا يمتلك قطاراً أو «مترو» أو «تراموي»، كإسطنبول مثلاً. أما وسائل النقل العام (والخاص أيضاً) فهي بمعظمها متهالكة.

فوضى النقل العام سبب من ضمن أسباب أخرى عدة تؤجج زحمة السير في العاصمة. منها أن معظم الإدارات والمؤسسات العامة والشركات الكبرى تقع ضمن نطاق بيروت الكبرى ما يجبر آلاف المقيمين خارجها على التوجه اليها لإنجاز أعمالهم ومعاملاتهم. يضاف ذلك الى أكثر من نصف مليون مواطن يدخلون بيروت يومياً للعمل ويخرجون منها مساء.
أضرار أزمة السير لا تقتصر على تلف الأعصاب وهدر الساعات الطوال. تتكبد الدولة نحو ملياري دولار خسائر سنوياً، بسبب المحروقات التي يزداد استهلاكها في زحمة السير، وضعف الإقبال على الاستهلاك هرباً من زحمات السير خصوصاً في فترة الأعياد، وإضاعة الوقت وانخفاض انتاجية العمل. إلا أن الخسارة الكبرى، غير المنظورة، هي أزمة التلوث الناجمة عن انبعاث الغازات السامة من عوادم السيارات. فبحسب مديرة مركز حماية الطبيعة في الجامعة الأميركية في بيروت نجاة صليبا، يصل المعدل السنوي للتلوث في بيروت إلى 32 microgram/3، وهو أعلى بـ 3.2 مرة ممن المعدل الذي تحدده منظمة الصحة العالمية. وهذا مرشح للازدياد. قف عند مدخل بيروت من جهة أوتوستراد صيدا مثلاً، أو أنظر إليها من عاليه، لترى سحابة من التلوث تخيّم على العاصمة كشبحٍ أصفر. بيروت، من بعيد، مدينة مريضة تغطيها كتلة من الضباب والدخان.
السير مشكلة ملحّة جداً توازي بأهميتها وخطورتها أزمتي الكهرباء والماء. اللجان النيابية اجتمعت مراراً لاقرار مشروع قانون جديد للسير. ولكن، حتى الآن لا شيء عملياً. بل الأزمة إلى تفاقم. قانون السير الجديد الذي أقرّ في 22/ 10/ 2012، يقول المعنيون إن تطبيقه يتم تدريجياً. ولكن، يبدو أن هذا التطبيق بدأ بمادة التوعية على الثقافة المرورية، وليس بمعالجة أسباب جذرية كإزالة النقل العام غير الشرعي مثلاً، أو إدخاله في «نظام» النقل الجديد. وهذا، ربما، لأن إزالة المخالفات تهدد مصالح بعض من هم في السلطة!

 


33000 
هو عدد اللوحات العمومية في مقابل 30 ألف لوحة عمومية مزوّرة

4000
هو عدد الـ«ميني باص» الشرعي في مقابل 12 ألفاً غير شرعية

2000
هو عدد الحافلات الكبيرة (بوسطة) الشرعية تقابلها 1600 غير شرعية


نصف مليون سيارة في بيروت يومياً

نصف مليون سيارة تدخل يومياً إلى العاصمة، بحسب غرفة التحكم المروري، وهو عدد مهول قياساً إلى مساحة صغيرة مأهولة بكثافة وذات طرقات ضيقة. إلى ذلك، يلفت مدير الغرفة جان دبغي إلى أن ثمة منافذ لا توجد عليها رقابة، وتدخل منها السيارات بأعداد كبيرة، كمناطق كفرشيما وبعبدات والأوزاعي والشويفات، مشيراً إلى أن عمل غرفة التحكم المروري خفف مشاكل السير بنسبة 30% فقط.
تتوزع أرقام السيارات التي تدخل بيروت يومياً عبر مداخلها الأساسية كالتالي:
ــــ المدخل الشمالي: 92796 سيارة.
ــــ المدخل الشرقي (من البقاع): 41949 سيارة.
ــــ المدخل الجنوبي: 70 ألف سيارة (رقم تقدير لأن المدخل الجنوبي غير مزوّد بكاميرات لدواع أمنية).
ــــ مدخل بكفيا – المتن: 22530 سيارة.


مواصفات منسيّة

منذ أكثر من سنة أصدرت «مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية» (LIBNOR)، التابعة لوزارة الصناعة اللبنانية، مواصفات جديدة للبنزين والديزل. ولكن، حتى الآن، لم يتم اعتمادها. فالديزل الأحمر الذي يحوي 1000 PPm من الكبريت (سولفر) لا يزال مستعملاً في حافلات الجيش والبوسطات والكميونات ومولدات الكهرباء، علماً أنه من أكبر مسببات تلوث الهواء. كما أن البنزين والديزل المستعملين في السيارات والآليات حالياً هو Euro 3، ويحوي على 500ppm من الكبريت المسبب للأمراض السرطانية، إضافة إلى تلوث الطبقة الجوية على نحوٍ مرئي. فيما البنزين والديزل المستعملان في دول العالم التي تقيم وزناً للحسابات البيئية هو Euro 6، ويحوي 10ppm فقط من الكبريت. المشكلة أن البنزين الأخضر يكلف 300 ليرة زيادة على صفيحة البنزين الواحدة.

المصدر: جريدة الأخبار - رحيل دندش