«الخصخصة» شرطٌ أساسي لانعقاد مؤتمر «سيدر» (باريس 4) في نيسان المقبل. أعلنها رئيس الحكومة سعد الحريري أمس في «مؤتمر الاستثمار في البنية التحتية في لبنان»، مشيراً إلى أنه لا يؤمن بالقطاع العام، بل بالقطاع الخاص، ثم كرّرها في المؤتمر نفسه، المبعوث الفرنسي المنتدب لشؤون المتوسط السفير بيار دوكان، محدّداً شروط المجتمع الدولي، وأوّلها «الشراكة بين القطاعين العام والخاص»
المجتمع الدولي يشترط على لبنان القيام بما يسمّيها «إصلاحات» تمهيداً لانعقاد مؤتمر «سيدر» أو ما يُعرف بـ«باريس4»، ومن أبرز الشروط أن تقرّ المراسيم الضرورية لتمكين المجلس الأعلى للخصخصة من إتمام مشاريع «الشراكة بين القطاعين العام والخاص». بمعنى آخر، يجب على لبنان تقديم البراهين على التزامه هذه الوصفة قبل انعقاد المؤتمر.
الكشف عن هذه الوصفة الجاهزة جاء على لسان المبعوث الفرنسي المنتدب لشؤون المتوسط السفير بيار دوكان، في افتتاح «مؤتمر الاستثمار في البنية التحتية في لبنان» الذي نظمته، أمس، مجموعة الاقتصاد والأعمال بالشراكة مع مكتب رئاسة مجلس الوزراء والهيئات الاقتصادية، إلا أنه لم يكن الإعلان الوحيد في المؤتمر، إذ تلاه مباشرة إعلان «الامتثال» على لسان رئيس الحكومة سعد الحريري الذي قال إنه يؤمن بأن «القطاع الخاص يدير الأعمال بشكل أفضل وقادر على القيام بهذه المشاريع الاستثمارية، إن كان في الكهرباء أو الطرقات أو المطارات أو غيرها من مشاريع البنى التحتية بشكل أفضل من الدولة».
إذاً، هي الخصخصة الشاملة لكل البنى التحتية في لبنان من كهرباء وطرقات ومطارات وغيرها، أما المياه فقد ذكرها السفير دوكان بالاسم من ضمن «بعض الإصلاحات التي يمكن أن تطبّق قبل انعقاد مؤتمر باريس، وتتمثّل في:
ــ اعتماد ميزانية لعام 2018 تفسح المجال للقطاع الخاص بالشراكة مع القطاع العام.
ــ موافقة البرلمان على المشاريع التي تحظى بمساعدة دولية، ومن بينها قانون المياه.
ــ موافقة الحكومة على المراسيم الفنية الضرورية التي تمكّن المجلس الأعلى للخصخصة من إتمام مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ــ التعيينات في الهيئات التنظيمية مثل قطاع الاتصالات والطاقة والطيران المدني».
هذه الوصفة محكومة بنظرة مالية ضيّقة تغفل المشكلة البنيوية في تركيبة الاقتصاد اللبناني القائم على استيراد أكثر من 85% من استهلاكه، وما تسببه هذه المشكلة من عجز تجاري بلغ 20 مليار دولار في نهاية 2017. لا بل إنها وصفات مصممة على قياس «المستثمرين»، إذ يقول دوكان إن هذه الاستثمارات «تتطلب استثماراً على المدى الطويل، وتتطلب زيادة المدخول المالي وسدّ العجز، ومكافحة الفساد وإصلاح كهرباء لبنان، ومن الواجب أن تصبّ هذه الإصلاحات في مصلحة المستثمرين».
وعلى الضفّة اللبنانية، يبدو أن «الامتثال» لا حدود له أيضاً. فالحريري تحدّث عن «مرحلة واعدة تتمثل بإشراك القطاع الخاص في تنفيذ مشاريع البنى التحتية» لافتاً إلى أن «مشاركة القطاع الخاص بنفس أهمية مشاركة الدول في المؤتمر»، وأنه سيجري «ربط الأموال التي ستتدفق إلى لبنان بهذه الإصلاحات». وحذا الحريري حذو المبعوث الفرنسي بالحديث عن المردود للمستثمرين، مشيراً إلى أن «مؤتمر سيدر والمشاريع التي سترونها خلاله ستكون مربحة إن شاء الله، وهذا ما يهمّ القطاع الخاص. وخلافاً لما يعتقده بعض السياسيين بأن القطاع الخاص يجب أن لا يربح، وإنما هم فقط، نحن مع أن يكون لدى القطاع الخاص الوسيلة للعمل في البلد».
إذاً، سيعمل اللبنانيون في خدمة هؤلاء «المستثمرين» المفروضين بوصفات المجتمع الدولي الجاهزة. من هم هؤلاء لكي يؤتمنوا على إنفاق قروض سترتّب ديوناً إضافية على لبنان؟ ومن هم هؤلاء الذين سنعمل من أجل أرباحهم؟
ثمة إجابات شافية لهذه الأسئلة ربطاً بالتجارب السابقة في تلزيمات المشاريع والصفقات في لبنان في كل القطاعات من اتصالات وكهرباء وطرق ومبان، ولا سيما أن بعض هذه التلزيمات جاء على شكل امتيازات منحت مجاناً أو شراكات مبطنة مع القطاع العام، فقد تبيّن أن قوى السلطة التي يتكلّم باسمها الحريري مدّعياً إيمانه بالقطاع الخاص، هم أنفسهم «المستثمرين» الذين استفادوا من العقود الممولة من المال العام، وأنهم عملوا على نفخ قيمة هذه العقود وتقاسموها في ما بينهم بالرضى والتراضي. اليوم تطلب هذه الطبقة ائتمانها مجدداً على ديون جديدة يفترض أن تأتي لإنقاذ لبنان من الانهيار الذي صار حديث الصالونات السياسية والاقتصادية.
أدوات التهويل حاضرة دائماً. فقد أطلق الحريري مجموعة مؤشرات سلبية وكأنها لم تكن موجودة قبل سنوات. فقد انتبه إلى ارتفاع معدلات الفقر وانخفاض النمو وتجاوز معدلات البطالة الـ30%.
التمجيد بالقطاع الخاص انسحب أيضاً على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي رأى أن البرنامج الاستثماري يشكّل «مبادرة إصلاحية تنتج منها بداية تصحيح في الاقتصاد، ولا سيما مع فتح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في هذا البرنامج».