الحملات الانتخابية انطلقت، والظهور الإعلامي أبرز أدواتها. لكن باقات التلفزيون باهظة الثمن وقد تقضم نسبة كبيرة من الإنفاق المخصص لكل مرشح. هيئة الإشراف هي المخولة مراقبة أداء المرشحين ووسائل الإعلام، لكنها لا تزال تتلمس طريقها للقيام بعملها. المطلوب منها كثير وإمكاناتها شبه معدومة

مرّت أكثر من ثلاثة أسابيع على فتح باب الترشح للانتخابات النيابية، وهو التاريخ نفسه الذي كان يفترض بهيئة الإشراف على الانتخابات أن تبدأ فيه، بحسب المادة 70 من قانون الانتخاب، مراقبة ورصد المواد الانتخابية التي تبثها وسائل الإعلام. هل حصل ذلك؟
تبين الوقائع أن الهيئة لا تزال بعيدة عن تحقيق هذا الهدف. حتى الآن، لا تزال في طور تدريب 20 مراقباً لتولي عملية المراقبة، علماً أنه يتوقع أن يصل عدد المراقبين إلى نحو 70. هذا العدد «غير كافٍ للقيام بالمهمة الموكلة إلى الهيئة» حسب عضو فيها. لكن مع افتراض أن كل التحضيرات مكتملة، فإن إشكالية أخرى تواجهها: هل يمكن مراقبة المرشحين في الفترة التي سبقت إعلان ترشحهم رسمياً؟

على سبيل المثال لا الحصر، كيف يمكن تصنيف الظهور الإعلامي للمرشح طوني سليمان فرنجية في برنامج كلام الناس، وكيف يمكن تصنيف الظهور الإعلامي للرئيس المرشح سعد الحريري في برنامج «دق الجرس»؟ هل يُعَدّ ذلك في خانة الإعلام والإعلان الانتخابيين ما داما لم يكونا قد قدما ترشيحهما رسمياً عند عرض البرنامجين؟ هيئة الإشراف كانت قد أشارت إلى أن المراقبة ستكون بمفعول رجعي يبدأ من 5 شباط (قبل نحو شهر)، وبصرف النظر عن تاريخ الترشّح. هل يمكن أن يتحقق ذلك واقعياً؟
في قانون الانتخاب (المادة 71)، يجب على وسائل الإعلام المهتمة بالمشاركة في الدعاية والإعلان الانتخابيين أن تقدّم تصريحاً بالمشاركة قبل عشرة أيام على الأقل من بداية الحملة الانتخابية، وأن ترفقه بلائحة الأسعار والمساحات التي ترغب في تخصيصها. لكن لم تُعلَن أسماء المؤسسات التي قدمت أوراقها وأسعارها إلا في 23 شباط. ويبلغ عدد هذه الوسائل 12 إذاعة، 8 تلفزيونات، 9 صحف ووكالات و18 موقعاً إلكترونياً. بعد ذلك التاريخ، صار بالإمكان، نظرياً، مراقبة سقف الإنفاق الانتخابي لكل مرشح ومراقبة مقدار التزام وسائل الإعلام بموجباتها القانونية، ولا سيما المساواة بين المرشحين في الإعلام الانتخابي (نشرات الأخبار في الغالب).

هيئة إشراف مفلسة

العمل المطلوب من الهيئة جبّار، ولا يوجد بين المرشّحين، وحتى الجمعيات المعنية بمراقبة العملية الانتخابية وعمل الهيئة أيضاً، من هو مستعّد لجلدها. المهتمون يدركون ظروف تأليفها وعملها، ويرون أن هذا المطلب الإصلاحي يسير على الخط الصحيح، وصولاً إلى تشكيل هيئة دائمة ومستقلة تماماً. يكفي أن الهيئة الحالية لم تحصل على أي اعتمادات مالية للقيام بعملها، بالرغم من مرور نحو خمسة أشهر على تشكيلها، كما أن موازنتها لم تُبتّ بعد. أضف إلى أن مرسوم تعيين أعضائها، خلافاً لما ينص عليه القانون، لم يتضمن البدلات التي يتقاضونها. علماً أن هؤلاء، وحتى أمس، لم يكونوا يعرفون قَدر هذه البدلات، بل كانوا يعملون، كما الموظفين في الهيئة، «بما يمليه علينا ضميرنا» بانتظار تحديد بدلاتهم، التي أقرت أمس في مجلس الوزراء (تقرر إعطاء هيئة الاشراف على الانتخابات كما رئيسها تعويضات مقطوعة عن ١٥ شهراً)، فيما يقدم برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) الدعم التقني للهيئة بالتعاون مع جمعيات أهلية عديدة.
وقد عالج قرار أمس الإشكالية التي تضمنها المرسوم الأول المتعلق بالهيئة، إضافة إلى «العطب» الذي تضمنه القانون الذي يشير إلى الآتي: «يتقاضى رئيس الهيئة تعويضاً شهرياً، طوال مدة ولايته، يحدد في مرسوم تشكيل الهيئة على أن ينقطع عن أي عمل آخر.

أما سائر أعضاء الهيئة الآخرين، فينقطعون عن أي عمل آخر خلال العملية الانتخابية، ويتقاضون بدلاً مقطوعاً خلال هذه الفترة يحدد في مرسوم تشكيل الهيئة». عبارة «خلال العملية الانتخابية» كانت تقلق بعض الأعضاء، الذين استغربوا التمييز بين عملهم وعمل رئيس الهيئة. فالعملية الانتخابية محصورة عملياً ببدء عمليات الانتخاب التي تبدأ في 27 نيسان و29 نيسان (اقتراع المغتربين) ويليها اقتراع محصور بموظفي أقلام الاقتراع في 3 أيار، وتنتهي مع صدور نتائج الانتخابات، أي غداة 6 أيار. لكن ماذا عن العمل الذي كان يقوم به هؤلاء منذ صدور مرسوم تعيينهم، هل يندرج في خانة العمل التطوعي، بانتظار العملية الانتخابية؟ ما حصل أمس أن هذه الثغرة قد حلّت، لكن بشكل مخالف للقانون، إذ لا يمكن تعديل قانون إلا بقانون، لا بمرسوم.

باقات الأثرياء

تبدو الصدمة على وجوه الكثير من المرشحين، عندما يتحدثون عن الباقات الإعلانية التي تسلموها من وسائل الإعلام، ولا سيما المرئية. معدل تكلفة استضافتين صباحيتين وتغطية نشاط انتخابي والمشاركة في برنامج ترفيهي 250 ألف دولار. أما البرامج الحوارية الليلية، فتختلف تسعيرتها بين محطة وأخرى، ومن يدري، فربما وصلت إلى المليون دولار، على ما يقول أحد المرشحين، مستنداً إلى أن أحد البرامج ترك من دون إدراجه ضمن الباقات المقدمة إلى الهيئة، بحجة إدراجه في إطار الإعلام الانتخابي. لكن عندها سيتوجب على البرنامج المساواة بين المرشحين، فاستضافة مرشح عن إحدى الدوائر يفرض على المحطة أن تستضيف منافسه. وبما أن ذلك يبدو مستحيلاً في ظل توجه واضح، بدأ منذ مدة، ويقضي برفض ظهور أي مرشح من دون مقابل، حتى لو كان ذلك الأمر غير مرتبط بالانتخابات، فإن سلاح الشكاوى أمام الهيئة سيكون سيفاً مصلتا على رقاب التلفزيونات، التي يمكن أن تثقل الغرامات كاهلها. ولذلك يدعو أحد أعضاء الهيئة المرشحين إلى عدم التخلي عن حقهم بالشكوى، في ظل الإمكانات المتواضعة للهيئة، والتي تجعل مسألة مراقبة كل ما يمرّ على وسائل الإعلام ضرباً من الخيال. حتى الجمعيات الأهلية التي تقدمت إلى الهيئة لمراقبة الانتخابات، تدرك أن تغطية كل وسائل الإعلام أمر غير ممكن، تماماً كما مراقبة مدى التزام المرشحين سقف الإنفاق الانتخابي.
وبالرغم من السقف المرتفع للإنفاق المسموح به، الذي يقارب معدله المليون دولار لكل مرشح، بحسب عدد الناخبين في الدوائر (ينخفض سقف الإنفاق إلى نحو 600 ألف دولار في دائرة صيدا - جزين على سبيل المثال)، فإن هذا الرقم يمكن أن يكون ثمناً للحملة الإعلانية فقط. علماً أن القانون يمنع أي جهة من تخصيص مؤسسة إعلانية أو إعلامية واحدة بأكثر من 50 في المئة من مجمل إنفاقها الدعائي أو الإعلاني بالنسبة إلى كل فئة من المؤسسات الاعلامية، ما يعني أن شراء باقة من إحدى المحطات بـ200 ألف دولار على سبيل المثال، يوجب على المرشح أن يشتري باقة أخرى أو أكثر في محطات أخرى، وبما يعادل القيمة نفسها.

التواصل الاجتماعي هو الحل

الحمل ثقيل على الهيئة، ولا أحد يتوقع منها الكثير. فالمراقبة الفعالة تحتاج إلى جيش من المراقبين والمدققين، وهذا ليس متوافراً عند الهيئة، ولا عند الجمعيات المهتمة. رئيس الهيئة نديم عبد الملك اختصر الموقف: يتعذر على الهيئة إجراء المراقبة الشاملة. هذا هو الواقع الفعلي. أشار عبد الملك بوضوح إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لن تُراقب لعدم القدرة على ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المواقع الإلكترونية، التي يصل عددها إلى 350 موقعاً. المرشحون يدركون هذا الواقع جيداً. يقول أحدهم إنه بدأ يعد لحملة إعلامية منظمة تعتمد منصات التواصل الاجتماعي، وتكلفتها لا تصل إلى عُشر تكلفة الحملة عبر الإعلام التقليدي والتأثير سيكون مضاعفاً وأفضل بكثير.

المصدر: جريدة الأخبار - إيلي الفرزلي