بين ارتفاع عدد المرشحين للانتخابات النيابية بنحو لافت للانتباه، وبورصة التحالفات التي ترتفع وتنخفض بحسب الدوائر، يتبدل المشهد الانتخابي وتظهر تباعاً بعض مؤشرات لافتة فيه
رغم أن لا كلام يعلو فوق كلام الانتخابات والتحالفات النيابية، إلا أن الحماوة الانتخابية لا تزال محصورة، حتى في الشكل، مع «غابة» اللافتات وصور المرشحين، في بعض الدوائر لا كلها، كما يحصل مثلاً في كسروان – جبيل حيث تبدو معركة اللافتات والصور، أقوى من غيرها، على وقع تسارع الاتصالات لتشكيل اللوائح.
وبما أن ليس بالصور تحيا الانتخابات النيابية ويفوز المرشحون، فإن ثمة ملامح أولى بدأت تظهر عن مفاعيل قانون الانتخاب الذي يُعمَل به للمرة الأولى، بعدما انتهت المرحلة الأولى المتعلقة بترشّح 976 شخصاً.
أولاً، مع انكشاف بعض ملامح التحالفات، يظهر أن الذين أقروا قانون النسبية، للهدف المتوخى منه، أي إدخال التنوع وتمثيل أكبر شريحة ممكنة، يخوضون الانتخابات في شكل معاكس تماماً. إذ إنهم يعملون على صوغ تحالفات سياسية يحجزون من خلالها مقاعدهم في المجلس النيابي، بما يعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها، مع تغيير محتمل في الأحجام فحسب. أما التنوع المطلوب، فلا يبدو أن القوى السياسية الكبرى تؤمن به حقيقة، ما دامت تتصرف على أساس تحالفات مضبوطة لتأمين الفوز. ولم تجرؤ أي قوة سياسية على دخول الانتخابات وحدها، لتبيان حجمها الحقيقي.
وللتذكير، إن الكلام على تنوع في المجلس المقبل، مع تغيير في الوجوه النيابية، لن يكون معبِّراً حقيقياً عن قانون النسبية، لأن مجلس عام 2009 ضمّ أكثر من أربعين نائباً جديداً، ولم يظهر أن التنوع السياسي كان حاضراً في المجلس النيابي على مدى السنوات التسع الماضية، علماً أن هناك خشية سياسية من أن تؤدي التحالفات والمعمعة الحالية إلى عدم تحقيق أكثريات في المجلس، فيتحول هجيناً، لا متنوعاً.
ثانياً، اعتاد لبنان خلال التحضير للانتخابات النيابية تاريخياً، تحكمَ السلطة الحاكمة بمجريات الانتخابات. فهي طالما كانت طرفاً أساسياً، وضاغطاً في الحصول على مقعد واحد على الأقل في عدد من الدوائر التي تتمكن من لعب دور مؤثر في مفاتيحها وقيادتها، لتأمين حصة لها في المجلس النيابي. الأمثلة عن انتخابات ما قبل الحرب، وما بعدها كثيرة. ولعل المثال الفاقع في انتخابات عام 2000، وهو أظهر أن السلطة الحاكمة لم تتقن استخدام نفوذها، فخسرت أمام الرئيس الراحل رفيق الحريري.
مع القانون النسبي، تغيرت ظروف العمل لحشد الأصوات، لكن ذلك لا يعني أن الرغبة ليست موجودة، لأن السلطة بطبيعة الحال تسعى إلى تأمين حاصل انتخابي في دوائر تضع عينيها عليها. ثمة كلام يتردد عن أدوات بدء العمل واستخدام أدوات متنوعة لتجميع هذا الحاصل، وكيفية التعامل مع النفوذ لتحصيل المقاعد المرجوّة. والسلطة هنا لا تعني طرفاً بذاته، ما دام لكل طرف أدواته المتنوعة في الإعداد لقاعدة تحالفات وتأمين الفوز.
ثالثاً، أفرزت المعطيات الانتخابية مراعاة النائب وليد جنبلاط وموقعه في المعادلة السياسية، من خلال الحرص على التعامل مع مطالبه وفق معيار وضعه بنفسه. فبعدما نجح الأخير في الحصول على الدائرة التي يريدها خلال العمل على صياغة قانون الانتخاب، ها هو أيضاً ينجح في فرض ترشيحاته في الدوائر التي يوليها أهمية في جبل لبنان. فإذا كان حزب الله وأمل، قد رسما سلفاً خريطة طريق انتخابية باتت محسومة، فإن جنبلاط حجز لنفسه موقعاً متقدماً وثابتاً. وهذا الأمر لم يستطع المستقبل أو القوى والأحزاب المسيحية الأربعة أن تجاهر بالحصول عليه سلفاً، لأن ثمة إرباكات عدة تخيم على طريقة التعامل مع المقاعد التي تتوقع هذه الأحزاب الحصول عليها. والسؤال المطروح مسيحياً، على سبيل المثال، هو: إذا كان «التيار الوطني الحر» يتحدث عن احتمال حصوله على 18 مقعداً على الأقل، و«القوات اللبنانية» عن ثمانية إلى عشرة مقاعد، من أصل 64 نائباً مسيحياً، فأين ستذهب الحصص المسيحية الأخرى؟
رابعاً، يظهر ارتفاع عدد المرشحين أن الشريحة الكبرى لا تزال تتعامل مع القانون على أنه أكثري وليس نسبياً، لأن ألف باء القانون الجديد، يعني أن لا مرشحين منفردين، وأن المرشحين يجب أن ينتظموا بلوائح، وأن اللوائح يجب أن تحصل على حاصل انتخابي كمرحلة أولى قبل احتساب النتائج الباقية. لكن كثرة المرشحين في بعض الدوائر بطريقة عشوائية، لا توحي أن هؤلاء جميعهم قادرون على الانتظام بلوائح، وأن هذه اللوائح قادرة على الحصول على الحد الأدنى من التصويت. فحسابياً، إذا تشكلت 4 لوائح كاملة في كل الدوائر الـ 15، وهذا من المستبعد في شكل تام، فهذا يعني أن 512 مرشحاً فحسب سيخوضون الانتخابات، أي نصف عدد المرشحين حالياً، هذا كحدٍّ أقصى. والرقم الذي رست عليه الترشيحات لا يعني صحة المشهد الانتخابي وعافيته بقدر ما يعني تخبطاً في قراءة القانون وكيفية تطبيقه عملياً. فما هو مصير النصف الباقي، وعلى أي أساس قدّم هؤلاء ترشيحاتهم، وما هو هدفهم؟
خامساً، لا يمكن قراءة أعداد المرشحين كرقم أو حتى كبدل مالي للترشيح استفادت منه الخزينة. فخريطة التوزع الطائفي للمرشحين، تعكس أيضاً وضع القوى السياسية والطوائف في إقدامها على المشاركة في الانتخابات. فأن يصل عدد المرشحين السنّة إلى 304 مرشحين ويشكلوا أعلى نسبة ترشيح، أي ثلث المرشحين تقريباً، يتنافسون على 27 مقعداً، فذلك تعبير واضح عن الشارع الذي لم يعد مضبوطاً في أيدي فئة سياسية واحدة، مهما كان حجم هذه الفئة أو اسمها، تيار المستقبل وعائلة الحريري أو الزعامات التقليدية شمالاً وبقاعاً. في المقابل، بلغ عدد المرشحين الموارنة 230 مرشحاً، مع فارق أن هؤلاء يترشحون على 34 مقعداً، علماً أن القوى المسيحية الحزبية التي تخوض الانتخابات هي أربعة، تُضاف إليها قيادات مارونية وعائلية تقليدية. في المقابل أيضاً، بلغ عدد المرشحين الشيعة 137 لـ 27 مقعداً، واللافت ارتفاع عدد المرشحين الأرثوذوكس إلى 108 للحصول على 14 مقعداً.