نتائج زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري للسعودية، بدأت تظهر من خلال مفاوضاته «الإيجابية» مع القوات اللبنانية، بعد أن كان التيار الوطني الحرّ هو الخيار الأول لتيار المستقبل. هي نصف استدارة يمكن وصفها بالعفو الحريريّ عن سمير جعجع، انتخابياً، بعد الاتهامات التي وجهها مسؤولو التيار الأزرق إلى حليفهم بالتحريض على رئيس الحكومة في السعودية
«بورصة» التحالفات الانتخابية بين تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانيّة، أُقفلت أمس على ما يُمكن اعتباره «ارتفاعاً» في حظوظ التحالف بينهما في العدد الأكبر من الدوائر. الاجتماع الذي عُقد في معراب أمس بين الوزير غطاس خوري ورئيس «القوات» سمير جعجع، أتى مُكمِّلاً للقاء الانتخابي الأخير بين رئيس الحكومة سعد الحريري والوزير ملحم رياشي.
وقد قطع الفريقان شوطاً كبيراً في المباحثات بينهما، بعد أن كان الحديث قبل أيامٍ من سفر الحريري إلى الرياض يدور حول تأزُّم العلاقة الانتخابية بين «المستقبل» وقيادة معراب، على حساب تحالف شامل بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ. وهذا ما كان يُعوِّل عليه أيضاً الوزير جبران باسيل، قبل أن تصطدم شروطه بشأن المقاعد النيابية، بحسابات «المستقبل» الذي لم يكن بوارد «التنازل» عن أيّ مقعد يراه من «حقّه».
المُباحثات الإيجابية بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، من شأنها في حال اكتمال عقدها، أن تُمهّد للقاء «المُصالحة» بين الحريري وجعجع، بعد أن اتُّهم الأخير من قبل مسؤولين مستقبليين بالمشاركة في «التحريض» على رئيس الحكومة في الرياض، وتحضير المناخ الذي أدى إلى إجبار الحريري على الاستقالة من السعودية. دلالات اجتماع الحليفين السابقين في فريق 14 آذار، ونوعيّة «الصورة» التي ستنتج منه، ستكون مُرتبطة بطبيعة الاتفاق المعقود. فإذا كان التحالف بينهما محصوراً في أماكن مُعينة، ويستثني دوائر أساسية كصيدا ــ جزين والبقاع الأوسط، يُعَدّ اللقاء «عادياً»، وينتهي بتصريح دبلوماسي عن أهمية العلاقة بينهما. أما إذا تقرّر خوض الانتخابات النيابية جنباً إلى جنب في غالبية الدوائر، فمن المُرجح أن يصدر بيان سياسي تُحدّد فيه الخطوط العريضة التي سيخوضان على أساسها الانتخابات، ولا سيّما أنّ «المستقبل» و«القوات»، مُتخوفان من أن تكون نسبة الاقتراع مُتدنية، من هنا الحاجة إلى خطاب يشدّ عصب الشارع.
بعد لقاء الساعتين بين جعجع وخوري، بحضور رياشي والأمينة العامة لـ«القوات» شانتال سركيس، قال موفد الحريري إنّ «بين تيار المستقبل وحزب القوات تاريخاً من التحالف نريد استعادته إذا أمكن... عرضنا خلال اللقاء مع الدكتور جعجع جميع المناطق الانتخابية التي يمكن أن نتحالف فيها، وقد أصبح معلوماً أنّه تمّ الاتفاق على التحالف في منطقتي الشوف ــ عاليه وبعبدا، مع القوات والحزب التقدمي الاشتراكي، آملاً أن يُستكمل التحالف في مناطق أخرى». بالنسبة إلى الدوائر الأخرى، عرض خوري على جعجع «الإمكانات المتوافرة للتحالف، وننتظر جوابه عن هذا العرض الذي يتطلب مراجعة وتدقيقاً من الماكينات الانتخابية». وكشف خوري أنّه عرض على جعجع «إمكان التحالف بين القوات والتيار الوطني الحر وتيار المستقبل في بعض الدوائر».
بات بالإمكان رسم صورة أولية عن خريطة التحالف بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية. في عكار، سيكون مُرشح «القوات» عن المقعد الأرثوذكسي العميد المتقاعد وهبي قاطيشا على لائحة «المستقبل»، والمُرجح أن لا تضم التيار العوني لاشتراطه الحصول على مقعدين. في طرابلس ــ المنية ــ الضنية، تعهّدت «القوات» تجيير قدرتها الانتخابية للائحة الزرقاء، من دون أن تكون مُمثلة نيابياً، لأن المستقبل يريد خوض المعركة بلا أي حلفاء في هذه الدائرة، تماماً كدائرة بيروت الثانية. أما في دائرة الشمال الثالثة، حيث أعلن خوري أنّه لن يكون لتيار المستقبل مُرشح فيها، فسيطلب الأخير من الناخبين الذين يمون عليهم التصويت في الكورة للنائب نقولا غصن، المحسوب على المستقبل والمرشح على لائحة القوات. ومن المتوقع أن يوزع الحريريون أصواتهم بين التيار الوطني الحر في البترون، وتيار المردة في زغرتا. التحالف محسوم أيضاً في البقاع الشمالي، ويُنتظر معرفة إن كان التيار العوني سينضم إليه. الأمر نفسه ينطبق على دائرتَي الزهراني ــ صور والجنوب الثالثة. أما في البقاع الغربي، فلم يُبتّ التحالف، مع أرجحية حصوله. في زحلة، عرض «المستقبل» على «القوات» خيارين: لائحة مستقبل ــ قوات ــ كتلة شعبية، أو لائحة مستقبل ــ قوات ــ تيار عوني. تبقى بيروت الأولى، حيث سيُشكل كلّ منهما لائحة. القوات اللبنانية إلى جانب الوزير ميشال فرعون، وحزب الرامغافار، و«المستقبل» سيتحالف مع التيار الوطني الحر وحزبَي الطاشناق والهنشاك. وفي جبل لبنان، سيكون مرشّحو «المستقبل» والقوات على لائحة مشتركة مع الحزب التقدمي الاشتراكي في عاليه ــ الشوف، فضلاً عن تحالف الثلاثي في بعبدا والمتن الشمالي.
على صعيد آخر، أقام سفير دولة الإمارات لدى لبنان، حمد الشامسي، ليل أمس، عشاءً تكريمياً على شرف وزير الداخلية نهاد المشنوق، بحضور حشد من الشخصيات الدبلوماسية والسياسية والإعلامية. وعلى الرغم من أنّ المشنوق حافظ على علاقة جيدة مع الإمارات طوال الفترة الماضية، إلا أنّه لا يُمكن فصل العشاء التكريمي عن سياق «الاحتضان» الإماراتي لتيار المستقبل، بعد أن كان ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد رأس حربة في المشروع السعودي لـ«كَسر» زعامة سعد الحريري.
من ناحية أخرى، فتح ردّ الوزير جبران باسيل على سؤال عن فصل النيابة عن الوزارة، سجالاً في ما إذا كان المقصود من طرحه، قطع الطريق على توزير أسماء معينة في حكومة ما بعد الانتخابات، ولا سيما أن كلامه يتقاطع مع ما أشارت إليه مصادر الحريري لجهة تأييده هذا الاتجاه أيضاً. لكن يبدو أنّ الطرح لن يتحول إلى معطى دستوري، بل سيكون عبارة عن قرار داخلي ملزِم فقط للأحزاب والقوى المقتنعة به، وهو ما أشارت إليه أوساط رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بقولها لـ«الأخبار»، إنّ هذا الأمر «سبق أن نصّت عليه وثيقة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، لكنه غير ممكن الآن لحاجته إلى تعديل دستوري، ولا وقت للقيام به قبل الانتخابات».
من جهته، انتقد الوزير علي حسن خليل مواقف وزير الخارجية، الذي افتتح أمس مؤتمر الطاقة الاغترابية في أوستراليا. وغرّد خليل على تويتر: «لا يكتفي، أعجوبة البلد، في تسميم عقول اللبنانيين في الداخل، بل يوسّع مساحة أكاذيبه الممجوجة لبلاد الاغتراب علّه يحصد ما يُعوض فشله المستمر، وآخره في أفريقيا. خَفِّف من كهربتك واسمع مجدداً أنني أفتخر بتوقيف صفقاتك المفتوحة التي ستنهي مصداقية العهد».