على مدى ثلاث سنوات، ستدفع الدولة 350 مليار ليرة لإيصال خدمة الانترنت السريع، عبر تقنية الألياف الضوئية (فايبر أوبتكس) إلى كافة المناطق اللبنانية. هيئة «أوجيرو» ستنفّذ المشروع. لكن بيع الخدمة للزبائن لن يكون حكراً على القطاع العام. فالشركات الخاصة تنافسه. وأسعارها، بحسب تجربة الأشهر الفائتة، أدنى بكثر من أسعار «الهيئة». 432 دولاراً، في مقابل 200 دولار! ثمة من يقول للمواطنين إن خياركم الوحيد هو في الابتعاد عن القطاع العام الذي تفرض عليه الدولة التصرف كتاجر، لا كمقدّم خدمات
يهدف مشروع تمديد الألياف الضوئية إلى إيصال خدمة الانترنت السريع إلى كافة المنازل والمؤسسات والمنشآت على امتداد الأراضي اللبنانية. كلفة المشروع نحو 350 مليار ليرة، ستدفعها الخزينة العامة، في ثلاث سنوات. لكن التدقيق بالأمر يُظهر تفاصيل مغايرة. عملياً، لن تصل الألياف الضوئية إلى داخل المنازل كافة. ثمة ثلاثة عوائق:
الاول، متصل برغبة المواطنين بالحصول على الخدمة. في «اوجيرو»، ثمة من يقول إن المعدّل الأوروبي للإقبال على الألياف الضوئية لا يتجاوز نسبة أربعين في المئة. البقية قرروا الحفاظ على الخدمة عبر الأسلاك النحاسية، أي المعتمدة حالياً في لبنان، والتي تعاني من بطء شديد.
العائق الثاني سببه أن هيئة «أوجيرو» لن تتمكّن من تمديد الـ«فايبر» إلى المنازل. كيف ذلك؟ من يسكنون في مناطق منظمة، وفي مبانٍ تمديداتها حديثة، يمكن إيصال الفايبر إلى «علبة الهاتف» في المبنى. ومن هناك، على المشتركين الاتفاق مع شركة خاصة لتمديد الفايبر إلى المنزل، لأن «اوجيرو» «ممنوعة من دخول البيوت»، يقول احد مسؤوليها. يضيف المصدر نفسه: «هل يمكنكم تخيّل تمديد الألياف الضوئية» في الضاحية والطريق الجديدة أو النبعة أو برج حمود؟ فالمباني في هذه المناطق غير مجهّزة بتمديدات تتسع لكابلات الفايبر. هذا الكلام يعني ان الفايبر سيكون حكراً على طبقة من الميسورين الذين يقطنون مباني «منظّمة». أما أبناء الضواحي والاحياء «غير الحديثة» في العاصمة، فلن ينعموا بجنة الانترنت السريع.
ما الحل؟ ما ستقوم به «أوجيرو» هو تمديد الفايبر في كل المناطق اللبنانية. لكن نسبة المنازل التي سيدخلها الفايبر لن تكون مرتفعة. وبدلاً من ذلك، ستعمد أوجيرو إلى إيصال الانترنت السريع عبر الفايبر إلى السنترالات في القرى، وإلى علب الهاتف القريبة من المباني في المدن. ومن تسمح ظروف مبناه بتمديد الفايبر إلى منزله، سيتم له ذلك. اما الذين لا تسمح حالة مبانيهم (غياب تمديدات كفيلة باستيعاب الفايبر والحفاظ عليه، كون كابلات الألياف «زجاجية»)، فلن يصل الفايبر إلى داخل المنزل. البديل سيكون بتمديد خطوط نحاسية من العلب إلى المنازل. وبذلك، ترتفع سرعة الإنترنت مقارنة بما هي عليه اليوم، لكنها حتماً لن تصل إلى السرعة التي يقدّمها إيصال الفايبر إلى المنزل. على جبهة الشركات الخاصة، يؤكد عدد من العاملين فيها أن عروضهم ستشمل إيصال الفايبر إلى المنازل في المدن. فحتى تلك القديمة وغير المجهزة بتمديدات تتسع للألياف، اختُرِعت كابلات فايبر خاصة بها، كتلك التي تُستعمل في المدن الأوروبية حيث المباني قديمة، بما لا يحول دون وصول شبكة الفايبر إلى أي منزل يريد قاطنه الحصول على خدمة انترنت فائقة السرعة. وماذا عن القرى؟ لا ترى الشركات الخاصة جدوى اقتصادية مجزية من تقديم الخدمة في المناطق غير المكتظة. لكن، «وينيي الدولة»؟ ولماذا عليها التفكير في هذا الأمر من منطلق أرباح وخسائر؟ قرارها في هذا المجال مُبرم ولا عودة عنه. وهي تقيس الامور بعقل المقاول والتاجر والشركة.
العائق الثالث مالي. في مشروع التجربة الذي نفّذته أوجيرو لإيصال الفايبر إلى «بيت مسك» (المتن الشمالي)، بلغت تكلفة تأسيس خط «فايبر أوبتكس» نحو 432 دولارا أميركيا للمنزل الواحد. هذه الكلفة القياسية موزعة وفق الآتي: 200 دولار للشركة التي اوصلت تمديدات الفايبر من الكابلات الرئيسية إلى المنزل (تقول مصادر «اوجيرو» إن هذه الكلفة تبلغ ما بين 100 دولار و120 دولاراً للمنزل الواحد)، و347 ألف ليرة لأوجيرو (تشمل «رسم التأسيس» والضرائب، ومبلغ 250 ألف ليرة لبنانية لم تذكر «اوجيرو» طبيعته في الفواتير التي أصدرتها للمواطنين). وعندما سألت «الأخبار» مصادر الهيئة عن توصيف مبلغ الـ250 ألف ليرة، اجابت بأنه سعر «المودم» (أي جهاز البث) الذي سيحصل عليه كل مشترك في منزله، مضافاً إليه نسبة ربح أوجيرو التي حددتها المراسيم بـ25 في المئة من السعر. لكن، لماذا تحصل الشركات الخاصة على الـ«مودم» الواحد بأقل من 50 دولاراً فيما تحصل عليه أوجيرو بـ200 ألف ليرة وتبيعه للمواطنين بـ250 ألفاً؟ تجيب مصادر الهيئة: «الفارق هو في جودة المودم وتطوره. فأوجيرو «تركّب مودم قابل للتطوير فيما لو قررنا مستقبلاً تطوير كل النظام الذي نستخدمه. وصحيح ان سعر المودم أعلى، لكن نحن نضمن عدم رفع أسعار الاشتراكات الشهرية، بخلاف ما تفعله الشركات الخاصة، ويمكن المواطن أن «يقسّط» بدل الاشتراك لدينا». لكن، من قال إن الشركات الخاصة لن تعرض «التقسيط»؟ لا احد يضمن.
في المقابل، وفي مشروع التجربة الذي نفّذته شركة «جي دي اس» في منطقة الحمرا ببيروت (قبل صدور قرار مجلس شورى الدولة الذي اوقف العمل بقرارات وزير الاتصالات التي أصدرها في أيار 2017 ليسمح لـ«جي دي اس» وغيرها بمد شبكة «فايبر أوبتكس» خاصة بها)، كانت الشركة تتقاضى من المواطن مبلغ 199 دولاراً أميركياً، كبدل تأسيس خط لديها. وعرضت بأن تصبح كلفة الاشتراك 100 دولار أميركي للمنزل الواحد، في حال تقدّم 5 جيران من «بناية» واحدة بطلبات اشتراكهم! لا يحتاج الأمر إلى كثير تفكير ومقارنة:
تعرض عليك اوجيرو اشتراكاً بخدمة الانترنت السريع بكلفة 232 دولاراً، وتترك لك امر العثور على شركة لتوصيل خطّك بالشبكة، مقابل مبلغ يتراوح بين 120 و200 دولار أميركي. أي أن الكلفة الاجمالية لتأسيس خط انترنت بواسطة الفايبر أوبتكس قد تصل إلى نحو 432 دولاراً. في المقابل، الشركة الخاصة تعرض على المواطن تأسييس اشتراك بخدمة الفايبر أوبتكس بـ199 دولاراً، يمكن ان تنخفض إلى 100 دولار. والخدمة هنا «واصلة موصّلة»، بلا عناء الاستعانة بشركة ثانية. ما الخيار الذي يُطرَح على المواطن؟ لماذا سيكون عليه اللجوء إلى «القطاع العام» بدل القطاع الخاص؟ هل هذا الامر مقصود لتنفير الناس من القطاع العام؟ ولماذا تتعامل الدولة مع خدمة الانترنت السريع كسلعة تريد در أرباح منها، فيما وظيفة الدولة ألا تكون تاجراً يريد مراكمة الثروة؟ لا احد يملك الإجابة. لكن مصادر «أوجيرو» تقول إن القرار الذي اتخذه وزير الاتصالات الأسبوع الفائت، والذي يمنح الشركات الخاصة حق استئجار كابلات الأليف الضوئية من اوجيرو، وحق تمديد شبكات خاصة حيث لا يوجد لأوجيرو شبكات، مع إعطاء الوزير حق التحكم بأسعار الخدمات التي تقدّمها الشركات للمواطنين، كلها أمور تمنع الشركات من أن تنافس «اوجيرو». لكن مصادر الشركات نفسها تقول العكس: حتى لو دفعنا إيجار الشبكة لأوجيرو، سنبقى قادرين على تقديم الخدمة للزبائن، بسعر أرخص من السعر «الخنفشاري» الذي تطلبه «أوجيرو». فلو قارنا الأسعار بالمطلق، لا نسبة إلى متوسط دخل المواطنين، سيبقى سعر «اوجيرو» من الاعلى في العالم، إن لم يكن الاعلى!
(الأخبار)
شبكات الشركات: حيث لا تريد «أوجيرو»
وقّع وزير الاتصالات، جمال الجرّاح، الأسبوع الفائت ثلاثة قرارات جديدة، تقضي بمنح كلّ من شركات GDS وWaves وTrisat، تراخيص لاستعمال المسالك الهاتفيّة المحليّة لتمديد ألياف بصريّة لمصلحة الدولة اللبنانيّة، والاستفادة منها بالوصول إلى مشتركيها.
وتأتي هذه القرارات بعد إصدار مجلس شورى الدولة قراراً، في 19 كانون الثاني الماضي، بوقف تنفيذ قراري الجرّاح الرقم 365/1 و395/1 الصادرين في أيار 2017، واللذين يرخّصان لشركتي «جي دي اس» و«وايفز» تمديد ألياف بصريّة في المسالك الهاتفيّة المحليّة لمصلحتهما، مقابل حصول الوزارة على 20% من فواتير مشتركي «جي دي اس» المربوطين على الشبكة، و40% من فواتير شركة «وايفز». فمجلس الشورى وجد أن هناك «أسباباً جديّة ومهمّة تُلحق أضراراً بالغة» بمصلحة الدولة، بسبب منح وزارة الاتصالات امتيازات تتيح للشركتين استغلال مورد عام، وتضمُّن قراريها مخالفات دستوريّة وقانونيّة عدّة تسمح بتحويل ملكية مشروع عام إلى القطاع الخاص (الطعون بقراري الجراح قدمتها نقابة عمال أوجيرو والاتحاد العمالي العام ونقابة عمال الاتصالات السلكية واللاسلكية).
الفارق بين قرارات الجراح المطعون فيها، والقرارات الجديدة، أن الأولى تمنح الشركتين حق تمديد شبكاتهما الخاصتين حيثما أرادتا، فيما القرارات الجديدة تسمح للشركات بتمديد شبكات ألياف ضوئية حيث لا توجد شبكة لـ«أوجيرو». وجرى الاتفاق، بحسب مصادر أوجيرو والشركات، على تحديد الأماكن التي يُسمح للشركات بتمديد شبكاتها فيها وفق الآتي:
تزوّد الشركات هيئة أوجيرو ببرنامج زمني للأشغال التي تنوي تنفيذها. ولأوجيرو أن تطلب من الشركات عدم تمديد شبكة في منطقة معينة، لتتولى هي (أوجيرو) تمديد الشبكة في غضون ثلاثة أشهر. وإذا قررت أوجيرو عدم العمل، يحق للشركات تمديد شبكاتها، بشرط ترك أماكن شاغرة لشبكة «أوجيرو». وحيث تُمدّد الأخيرة، يحق للشركات استئجار ألياف منها، بمبلغ دولار واحد للمتر الواحد سنوياً، مع وجوب أن تتولى «أوجيرو» صيانة شبكات الشركات مقابل بدل مالي. كذلك منحت القرارات الوزير حق التعامل مع ما تقدّمه الشركات بصفته «خدمة عامة»، أي أن له وضع سقف لأسعار خدمة الإنترنت التي تبيعها الشركات الثلاث. كذلك فإن النسبة التي ستتقاضاها الدولة من شبكات الشركات ستكون موحدة، بخلاف القرارات السابقة المطعون فيها.
وتوقعت مصادر نيابية أن تعقد لجنة الإعلام والاتصالات النيابية اجتماعاً لها قريباً لبحث قرارات الجراح الأخيرة، وتحديد ما إذا كانت تتضمّن مخالفات قانونية.