المقعد الشيعي في البقاع الاوسط محسوم لمرشح حزب الله. والحزب اختار وجهاً جديداً هو أنور جمعة. وجه جديد على الدور السياسي لكن ليس على الناس، الذين عرفوه إعلامياً في المنار منذ بداية التسعينيات حتى عام 2013. من هناء التقاعد، ينتقل جمعة إلى صخب السياسة، وبمعايير حزب الله الانتخابية
كان أنور جمعة في منزله عندما تلقّى اتصالاً من أحد أصدقائه يعلمه فيه أنه اقترح اسمه ليكون مرشح حزب الله عن دائرة البقاع الأوسط (زحلة والقضاء)، سائلاً عن رأيه. ردّ الفعل الأوّلي كان الرفض، «ليس كرهاً بالمنصب بل خوفاً من السؤال عندما أكون بين يدي الله». لكن مع مرور الأيام ومعرفته بالمعايير التي اختار الحزب مرشحيه على أساسها، تغيّر الموقف، فانتقل جمعة من حياة التقاعد الهادئة، التي كان قد بدأها منذ سنوات، إلى صخب السياسة والمسؤولية.
في مؤسسات حزب الله، يحق لأي موظف عمل لأكثر من 20 عاماً أن يتقاعد. وجمعة كان قد بدأ عمله في تلفزيون المنار في عام 1992، أضف إلى عمله لنحو سنتين في التعبئة التربوية ثم في العلاقات الدولية مترجماً.
كل من يعرف ابن بلدة علي النهري في البقاع الأوسط، يقول إنه يتقن اللغة الفرنسية أكثر من الفرنسيين. لكن لإتقان هذه اللغة ثمن باهظ، يفضّل جمعة عدم تذكره. بدأت المعاناة في عام 1983، عندما سعى أهل جمعة إلى تهريبه إلى فرنسا حيث يقيم خاله، بعد اشتداد المعارك في المريجة في الضاحية الجنوبية غداة انتفاضتها على الجيش في عهد أمين الجميّل... وصل الشاب البقاعي إلى فرنسا، ساعياً إلى تعلم برمجة الكومبيوتر. بعد سنوات قليلة، وتحديداً في عام 1986، انقلبت حياة جمعة رأساً على عقب. فعلى خلفية التزامه الديني، على ما يقول، بدأ يتعرض لمضايقات وضغوط من الأمن الفرنسي، استمرت لنحو أربع سنوات، فكان أن اتخذ قرار العودة إلى لبنان، غير مكترث باعتذار السلطات الفرنسية منه... لكن بعد فوات الأوان.
حمل معه من فرنسا لهجة فرنسية أصيلة يصعب التيقن من أن صاحبها ليس فرنسياً. التحق بالتعبئة التربوية في بعلبك، متفرّغاً، ثم أراد أن يكمل تعليمه في بيروت، فاختار الاعلام على الترجمة. لكن ذلك لم يمنعه من المضيّ قدماً في الترجمة، من بوابة العلاقات الخارجية في حزب الله.
في المنار، لم يترك نوعاً صحافياً إلا وعمل فيه. من مراسل في الأخبار إلى التحقيقات الميدانية فتقديم الأخبار بالعربية ثم بالفرنسية. كذلك كانت له بصمته في عالم البرامج مع تقديمه برامج عديدة، كان أشهرها برنامج «المشاهد شاهد» الذي قدّم بعد عام 2000، وحقق نجاحاً كبيراً. بعد عام 2013، تاريخ تقاعده، فتحت أمامه خيارات كثيرة، ولج بعضها من دون تفرّغ، فعمل في الدوبلاج وتقديم البرامج الإذاعية والتدريب الإعلامي في كل من بيروت ودمشق وبغداد.
في كل سنيّ عمله، لم يفارق جمعة الترجمة، فكان الحزب يستفيد من تميّزه في اللغة الفرنسية ساعة يحتاج إلى ذلك. وعمله هذا جعله يجاور السيد حسن نصرالله في اجتماعاته مع موفدين من فرنسا ودول أفريقيا وغيرها من الدول الناطقة باللغة الفرنسية. كانت هذه الجلسات تعبّر عن ثقة السيد نصرالله بالشاب الذي عمل لما يزيد على ربع قرن في مؤسسات الحزب، وقبلها تعرض للظلم في فرنسا بسبب انتمائه العقائدي.
ربما تجلت هذه الثقة في اختيار الحزب لأنور جمعة ليمثله عن المقعد الشيعي في دائرة البقاع الأولى. لكن جمعة يعطي الأولوية للمعايير التي اختير على أساسها، وسمعها من نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عندما دعاه لإبلاغه قرار الحزب ترشيحه، ومنها الميزات الشخصية، القدرة على التواصل مع الناس، الانفتاح... وغيرها من المعايير التي «تخدم فكرتنا لتكون في هذا المنصب»، قال له الشيخ قاسم.
كل الإحصاءات تشير إلى أن أنور جمعة على بعد خطوة من المجلس النيابي. في تنقلاته الانتخابية يصدف أن يسمع من يقول إنه لم يكن يقيم في المنطقة، بل في بيروت، لكن جمعة سرعان ما يذكّر بأنه «معفّر بطاطا وقاطف لوز لشبعان».