لبنان أرض «خصبة» لكل شيء. للزراعة. للتجارة. للترويج للبضاعة الصينية.... للأدوية المهرّبة والمزوّرة. في الشق الأخير، تفوّق لبنان على كل ما تبقى. فقد أُثبت، وبالأرقام، أنه أرض خصبة للتلاعب بصحّة المواطنين، وموتهم أيضاً. والأرقام ليست «من جيبة» أحد. الأرقام، من الشخص المعني، من نقيب الصيادلة، جورج صيلي

«35% من مجموع الأدوية الموجودة في غالبية المستوصفات، تحديداً تلك التابعة لأحزاب وجميعات، مزوّرة ومهرّبة». من دون «لف ودوران»، هذه هي قناعة نقيب الصيادلة في بيروت، جورج صيلي، عندما نسأله عن «كمية» الأدوية المزوّرة والمهرّبة في «سوق» الدواء. الأعمار «ليست بيد الله»، وإنما بيد تجّار الدواء.

«سوق الدواء فلتان»، يشرح صيلي، وللتأكيد على هذا الفلتان، دعّم رأيه بالأرقام: «هذه الأدوية موجودة في المستوصفات غير الشرعية، والبالغ عددها 980 مستوصفاً من أصل ما يزيد عن 1400 مستوصف موزّعة على كافة الأراضي اللبنانية».
لا يجد صيلي تعبيراً عن هذا الواقع أوضح من القول: «إننا أمام قنبلة صحّية موقوتة قد تنفجر في أي وقت». مع ذلك، لا يلقي النقيب كامل المسؤولية على المستوصفات، على اعتبار أن «جزءاً من الأدوية يأتي في الأصل مزوراً». وهنا، يحلو للنقيب البدء بحكاية الأدوية المزوّرة انطلاقاً من رحلتها من البلدان المصدّرة وصولاً إلى لبنان. الطريق طويلة، وثمة «لعبة» تجري. يشير إلى أن «جزءاً منها مزوّر قبل أن يطأ الأراضي اللبنانية، ومنها ما يصل إلى لبنان من الصين أو عبر الحدود من تركيا». ولكن، ثمة جزء آخر «قد يخضع لعملية تزوير محليّة، ومنها بعض منتجات مصانع الأدوية اللبنانية، والتي يبلغ عددها في لبنان أحد عشر مصنعاً».
بغض النظر عن «مصدر» التزوير، ثمة ما لا يمكن التغاضي عنه، وهو «فكرة المزوّر»، والتي يقول عنها صيلي أنها «قد تتسبب بمقتل المريض، خصوصاً عندما يتسبب الدواء بعوارض جانبية». وهنا، يورد تعريفاً للدواء المزوّر بأنه «نوعان، فهو إما الدواء الخالي من التركيبة العلاجية، أو الدواء الذي قد يتسبّب بعوارض جانبية ويؤذي المريض حتّى أنّه من الممكن أن يقتله». لكن، ثمة من يجد أن هذه الإنذارات الآتية من «جبهة» نقابة الصيادلة ليست دقيقة بنسبة كافية. وهناك من يرفضها رفضاً قاطعاً، ومنهم وزير الصحة السابق، وائل أبو فاعور، الذي اعتبر أنّ كلّ ما قيل هو «تهويل»، مشيراً إلى أنّ «لهذه الهجمة خلفيات تجارية بحتة موجودة في حسابات نقابة الصيادلة الخائفة من منافسة المستوصفات لها». وهذا يستدعي بحثاً وتدقيقاً جدياً أيضاً، بما أن المستوصفات، تشكّل «ملاذاً» للفقراء، غير القادرين على «سوق الصيدليات» الضخمة.

يُسقط أبو فاعور كل تلك التصريحات بضربة واحدة، مُرجعاً أسباب هذه «الهجمة»، كما يصفها، إلى «الخوف على المصالح الشخصية أكثر مما هو خوف على جودة الدواء من عدمه». برغم ذلك، لا يعفي الوزير السابق المستوصفات من المسؤولية، والدليل القرار الذي أصدره خلال عمله كوزير والقاضي «بمنع بيع الأدوية في المستوصفات، ما عدا تلك التابعة لمؤسسة كاريتاس والصليب الأحمر». وقد لاقى هذا القرار يومها انتقادات من جانب النقابة.
بين صيلي وأبو فاعور، يقف وزير الصحة الحالي غسان الحاصباني عند خطّ الوسط. أو أنه يلعب دور الحكم في ظل الاختلاف الواضح بين التصريحين. وفي هذا الإطار، يقول الحاصباني: «لا ضرورة للمبالغة في قصّة المستوصفات». وهو، إذ يعترف بوجود «أدوية مزوّرة في معظم المستوصفات»، ولكن يؤكد، في الوقت نفسه، أن «كلّ شيء تحت السيطرة، فهناك توقيفات تحصل باستمرار، والوزارة تتّخذ التدابير اللازمة فور تبلّغها بأيّ مخالفة». لا يلقي الحاصباني لوماً على أحد، مكتفياً بالطلب من «الجمارك التشدّد في الأدوية الآتية من الخارج». لكن، ماذا عن تلك التي تزوّر في الداخل؟ لا يملك الحاصباني جواباً، مشدّداً على قصة الأدوية المستوردة من الخارج على اعتبار أن «90% من اللبنانيين يستهلكون أدوية مستوردة، وهذه نسبة ضخمة مقارنة بالاستهلاك المحلي للمصانع اللبنانية الذي لا يتخطّى 10%».
التشديد وحده لا يكفي. هذه قاعدة عامة. ولذلك، لجأت الوزارة في هذا الإطار إلى وضع بروتوكول مشترك بينها وبين نقابة الصيادلة، محوره تطبيق التفتيش المشترك على الصيدليات والمستوصفات معاً. ويأتي هذا البروتوكول بنداً من ضمن رزمة الإصلاحات المفترضة والتي تتضمن أيضاً مباشرة العمل بـ«المشروع» القديم ـ الجديد، وهو «الباركود» الثنائي الأبعاد. ويتيح هذا الباركود تتبّع الرحلة التي يسلكها الدواء المستورد وصولاً الى لبنان، بما يكفل مكافحة التزوير وضمان وصول الدواء بشكل آمن إلى الجهات المستوردة. وقد بدأت المرحلة التجريبية للباركود في كانون الثاني الماضي، على أن ينتقل إلى المرحلة التطبيقية في «وقت قصير»، على ما يؤكد الحاصباني.

 


برنامج اليقظة المفقود

يعرّف برنامج اليقظة الدوائية بأنّه عبارة عن أنشطة تتعلّق بفحص الدواء ومراقبته بعد تطبيق العلاجات ومعرفة الآثار الجانبية له للتمكن من تحديد أسماء الأدوية التي يجب منع تداولها في الصيدليات، وتلك التي يستحسن أن تؤخذ بجرعات محدّدة أو لفئة عمرية معينة. برغم أهمّية هذا البرنامج، إلا أنه غير موجود في لبنان. هو موجود في البلدان العربية والأجنبية. أما في لبنان، فالنيّة موجودة منذ «13 سنة»، على ما يقول نقيب الصيادلة في بيروت، جورج صيلي. وفي هذا الإطار، يقول صيلي: «هذا المشروع مقرّر تنفيذه من 13 سنة وقد وُضع مرسوم لهذا الأمر، على أن تقوم به الجامعة اللبنانية، ولكنّه غير مفعّل». وفي هذا الإطار، تكفّلت النقابة مؤخراً بإعادة تفعيل البرنامج لمراقبة سوق الدواء ومكافحة الأدوية المزوّرة. هكذا، صارت الكرة في ملعب النقابة، خصوصاً أن هذا البرنامج دخل من ضمن سلة الإصلاحات الموعودة.
أما اليوم، «فلا نملك نشرات للدواء صادرة في لبنان، بل نلتزم بتلك الصادرة عن الخارج، وخاصة إذا ما كانت صادرة عن بلدان تعتبر مرجعاً لنا مثل فرنسا وإنكلترا»، يقول صيلي. مؤكّداً «الالتزام بشكل كامل بقرارات منظمة الصحة العالمية». ومن جهة أخرى، يلفت صيلي إلى أنه «قد جرى إنشاء مركز إحصاءات لدرس مختلف الحالات وإجراء التحليلات اللازمة، ويتّخذ القرار من قِبل وزارة الصحة بشأن كل دواء على حدة».

المصدر: جريدة الأخبار - مروى بلوط