يهوى ساسة لبنان معارك الانتصار والفوز.، ويعتبر هذا التوصيف هو الاقرب للواقع منذ انفجار الخلاف بين التيار الوطني الحر وحركة أمل. هذا الخلاف أشعل الشارع اللبناني بين مؤيدي الطرفين، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، واثار جدلاً كبيراً من شأنه ان يؤثر على شكل التحالفات القادمة وخاصة في الانتخابات النيابية في ايار 2018.
فما هي خبايا هذا الخلاف؟ هل يعتبر الوزير باسيل محرك هذا الخلاف؟ وما هو مخطط باسيل؟ وما هي سُبل وواقعية تنفيذه؟
اخذت الأزمة بين الطرفين منعطفا تصاعدياً من خلال ما يعرف بمرسوم الاقدمية حول ضباط السلك العسكري في دورة العام ١٩٩٤، ومن ثم امتدت الأزمة لتصل الى الخلاف حول إدخال اصلاحات على القانون الانتخابي الجديد، وما لبثت ان تفجرت بعد الفيديو المسرب لرئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية جبران باسيل حين نعت الرئيس بري بـ (البلطجي). واشارت بعض المصادر ان تسريب الفيديو كان مقصودا وما يؤكد هذه النظرية هو ان ما تبع ذلك من تصريحات لباسيل ساهم في زيادة التوتر بدل إخماده. صعّد بري في موقفه فانعكس في الشارع تعطلاً وتوترا ً باعتبار ان تخطيه يعني فقدان مظلة شعبية وسياسية هامة. لكن الغريب في الامر ان الرئيس بري ما لبث ان تراجع عن تصعيده بلا اي مكسب سياسي او معنوي سوى اتصال من رئيس البلاد مما اعتبر نقطة لصالح الوزير باسيل.
وفي تحليل لما جرى نجد ان اسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة صعدت الخلاف بين التيار الوطني الحر وحركة أمل. فالأسباب المباشرة هي المعلنة وردود الفعل من الجانبين، اما الاسباب غير المباشرة فهي تكمن في التراكمات بين الرئيس ميشال عون والرئيس بري منذ سنوات. فالطبقة السياسية الحاكمة في لبنان هي التي تتحكم في كل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهؤلاء هم السياسيون القدامى الذين عاصروا فترة الحرب وما بعدها.
والسؤال الابرز هنا: من سينتصر في النهاية؟ وما هي نتائج هذا الصراع؟
لقد سعى الوزير باسيل الى استدراج معاركه بأوجه متعددة مع بري، ولم تكن اولى بوادرها لمصلحة رئيس المجلس، فالسياق العام للمزاج اللبناني يميل الى الطرف المبادر للهجوم، بمعزل عن الصوابية او عدمها. هذه هي الثقافة الرائجة، ثقافة الميل الى الأقوى والى الإثارة بوجه عام. من جهة اخرى نجد أن تعمُّد وضع باسيل في منزلة التساوي مع بري في المسؤولية كان واضحاً، وهو ما وصفته مصادر في حركة امل بأنه مساواة بين القاتل والقتيل.
بعض المصادر تعزو سبب هذا الخلاف أن الوزير باسيل يطمح الى تحجيم كل الشخصيات التي انتفخت -حسب اعتقاده -بموجب اتفاق الطائف، وعلى حساب المسيحيين. هذه المعركة ستأخذ بشكل او بآخر شكلاً وجودياً فيه طابع سرمدي بين بري المتمسك بالشراكة والتوافق، وباسيل الطامح للعودة الى ما قبل الطائف. هذا من شأنه وضع القوى والشخصيات السياسية امام لحظة حسم خياراتها وتحالفاتها التي سيختلط فيها الحابل السياسي بالنابل الحسابي، نتيجة خضوعها لمقتضيات الربح والخسارة ومعركة الاحجام السياسية في المرحلة المقبلة وتحديدا في الانتخابات النيابية في ايار 2018.
اما في التحضيرات للاستحقاق الاهم هذا العام، وهو الانتخابات النيابية، من الواضح ان هناك تعمداً لخرق أحد المقاعد الشيعية من قبل "رياض الاسعد" أو "حسين الحسيني" وهذا التجييش غير العلني لهذين المرشحين ليس بريئا. ففي ٨ آيار المقبل وخلال جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب سيترشح أحدهما ضد الرئيس بري ولان السياسات تقاس على مبدأ المصلحة، وبالتالي فإن بقاء الرئيس بري في سدة الرئاسة سيشكل عائقا في تنفيذ اطماع البعض واهدافهم وعلى راسهم الوزير جبران باسيل. من المتوقع أن تكون النتيجة مفاجئة لأن كلاًّ من التيار الوطني الحر، وتيار المستقبل، والقوات اللبنانية والكتائب وجميع من سيربح من افراد المجتمع المدني سيصوتون ضد الرئيس بري، والتوقعات التقديرية تشير الى ان تكون الأصوات ٥٢ صوتاً للرئيس بري و٧٢ صوتاً للمرشح الآخر. هنالك هامش من الخطأ في هذه التقديرات ولكن الثابت أن هذه المحطة ستكون ايضا لصالح الوزير باسيل لكن عواقبها ستكون افظع من اية مواجهة سبقت.
وهكذا سيحقق الوزير جبران باسيل انتقامه من الرئيس بري لمعارضته انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية والاهم طموحه الهادف الى انتخابه كرئيس مقبل للجمهورية اللبنانية والذي من المستحيل ان يحصل بوجود الرئيس بري على راس المجلس النيابي. هذه المخطط يحظى بدعم اميركي-سعودي ربما يكون مباشراً او غير مباشر ولكن الداعمين الاساسيين لهذه الخطوة سيظهرون بعد الانتخابات. في حال نجاح هذا المخطط لا يوجد اي قدرة قانونية لتغيير النتيجة الا بعد سنة وسيكون التغيير اقرب الى الخيال. من خلال التجارب السابقة فإن هذه النتيجة سيتبعها اعمال شغب كبيرة ستستمر لأيام وربما تهدد السلم الاهلي مما سيضطر الجيش اللبناني الى التدخل لإعادة الامور الى نصابها الصحيح. مما لا شك فيه أن هذا المخطط إن نُفذ سيشكل أكبر ضربة لحزب الله منذ نشأته، فالرئيس بري كان ولا يزال حليفه الاول والاساسي في كل انتصاراته وأعماله.
فهل سينتصر سيناريو باسيل؟ وهل سينجح في تغيير معادلات لطالما حكمت لبنان منذ بداية التسعينات؟
هل اقصاء الرئيس بري عن رئاسة المجلس هي الدافع لتصعيد الوزير باسيل المستجد؟
هل هنالك قيود قد تمنع الوزير باسيل من الانتقام من الرئيس بري لمعارضته انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية وما هي؟
في حال نجاح هذا المخطط، كيف سيتصرف انصار الرئيس بري الذين يقدرون بمئات الآلاف؟
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع