يتجه مجلس الوزراء اليوم إلى مناقشة ملف الكهرباء مجدداً. الأجواء تشي باحتمال طرح مبدأ التصويت لحسم الخلاف بشأن البواخر. الدراسات أمام مجلس الوزراء كثيرة، لكن إحداها تؤكد أن أي زيادة في الإنتاج دون اللجوء إلى معالجة أسباب الهدر، لن تكون نتيجته إلا مزيداً من الهدر
في 15 شباط الفائت، قال رئيس الجمهورية ميشال عون في مجلس الوزراء: «لا أقبل أن يستمر التأجيل في معالجة الكهرباء، سأطرح الموضوع على التصويت وليتحمل كل واحد مسؤوليته». وأشار إلى أن «من يعرقل حلّ الكهرباء يؤذي الوطن والمواطنين ويرفض الحلول المطروحة».
في جلسة لاحقة، قدّم عون دراسة تخلص إلى اعتبار «حل» استئجار البواخر، أو ما يسمى شراء الطاقة من المعامل العائمة، الحل الأوحد في الوقت الراهن.
في السياق نفسه، يفترض أن تكون جلسة مجلس الوزراء، اليوم، جلسة إعادة فتح الملف الكهربائي، أو بشكل أدق ملف البواخر، الذي يرفض الرئيس نبيه بري، وكذلك وزراء حزب الله والقوات اللبنانية والقومي والمردة، تمريره، إلا عبر إدارة المناقصات.
المطلوب إذاً، بحسب وزير معني بالملف، «إجراء مناقصة شفافة، بدفتر شروط لا يكون مفصلاً على قياس أي شركة، بل تكون أولويته إعطاء فرص متساوية للمتنافسين تؤدي إلى الحصول على العرض الأفضل بالسعر الأفضل».
وماذا عن المناقصة التي جُمّدت بقرار مؤقت من مجلس شورى الدولة؟ يجيب الوزير المعني: «لم تعد صالحة، بعد ردّها مرتين من قبل إدارة المناقصات، والإشكالات التي رافقتها أكثر من مرة في مجلس الوزراء».
هذا المسار البديهي ينتهي في حال التصويت، فأحجام الكتل في مجلس الوزراء تسمح بإمرار أي قرار كهربائي بالتصويت، بمجرد أن يوافق عليه التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. لكن في المقابل، فإن التصويت، في العرف اللبناني، يعني زيادة التوتر السياسي ونصب كمائن في مرحلة ما بعد التصويت.
سبق للرئيس نبيه بري أن قال، أول من أمس، إن المطلوب أولاً تنفيذ قانون الكهرباء المجمد من سنوات، ولا سيما لناحية تعيين مجلس إدارة الكهرباء، يكون هو المسؤول عن إدارة القطاع لا الوزير، الذي يملك حالياً صلاحيات مطلقة. كان بري واضحاً في إشارته إلى أن «هناك هدراً وهدراً وهدراً، ولا أريد أن أقول كلاماً أكبر، فعندما نرى هدراً قطعاً سنعارض، وإذا ما اتخذ القرار غصباً عنا فليتخذ».
ضبط عجز الكهرباء يتطلب معالجة أسباب الهدر قبل زيادة الطاقة
هل هذا يعني أن بري سيكتفي بالمعارضة، على أن يتخذ القرار بالأغلبية في مجلس الوزراء؟
المشكلة الأساسية التي تواجه الفريق المتحمس لاستقدام البواخر هي في الدراسة التي أعدت لرئيس الجمهورية بشأن البواخر. خلاصة الدراسة تؤكد أن استقدام البواخر يؤدي إلى زيادة الإنتاج، ويسمح بالتالي، بزيادة التعرفة. لكن هذا المسار، الذي يؤدي بالنتيجة إلى خفض الفاتورة الإجمالية للكهرباء تمهيداً لإنهاء العجز، تنقضه دراسة أعدت لرئيس مجلس الوزراء في كانون الأول 2017.
تشير الدراسة التي تسلمها رئيس الحكومة إلى أن البواخر لن تساهم إلا في مفاقمة العجز، ما لم يقترن استقدامها بسلسلة إجراءات تساهم في خفض الهدر، الذي يصل إلى 50 في المئة.
في عام 2016، وصل معدل الهدر المحقق إلى 39 في المئة من مجمل عائدات القطاع، أي ما يقارب 438 مليون دولار، تضاف إليها 12 في المئة خسائر تقنية.
ولأن الانتاج ارتفع في عام 2017 من 1250 ميغاواط إلى 1716 ميغاواط (المعامل القائمة، الباخرتان الحاليتان، معملا الجية والذوق الجديدان)، فقد ارتفع الهدر 164 مليون دولار ليصل إلى 602 مليون دولار. وحتى مع افتراض زيادة التعرفة من 134.5 إلى 188 ليرة للكيلو واط ساعة، فإن النتيجة ستكون ارتفاع الهدر 236 مليون دولار إضافية.
الأرقام لن تتغير في عام 2018، ما دامت مصادر الإنتاج هي نفسها، لكن افتراض أن صفقة البواخر ستمر، فإن ذلك سيعني زيادة الإنتاج 800 ميغاوط (650 ميغاواط فعلياً) ليصبح 2366 ميغاواط. عندها ستكون العائدات القصوى من دون الخسائر نحو 2.1 مليار دولار، إلا أن العائدات الفعلية، بعد حسم الخسائر التقنية وغير التقنية ستنخفض إلى 1.04 مليار دولار، فيما يصل الهدر الفعلي إلى 830 مليون دولار. وهذا الرقم سيرتفع حكماً مع رفع التعرفة ليصل إلى 1.156 مليار دولار، بارتفاع يقدر بنحو 325 مليون دولار، أي ما يقل قليلاً عن الفارق في العائدات المتوقعة (409 ملايين دولار).
بعيداً عن السجالات السياسية المرتبطة بالبواخر، فإن استئجار هذه البواخر يؤدي، وفق كهرباء لبنان، إلى خسارة بقيمة 482 مليون دولار، يمكن أن تنخفض إلى 340 مليون دولار، إذا رُفعت التعرفة. أما الخسارة الفعلية (ربطاً بنسبة الجباية) فتصل إلى 558 مليون دولار، وتنخفض إلى 445 مليون دولار في حال رفع التعرفة.
تفصيلياً، تشير الدراسة المقدمة إلى رئاسة مجلس الوزراء، إلى أن الانعكاسات المالية لاستقدام الباخرتين المقترحتين، بكلفة إنتاج تصل إلى 845 مليون دولار (وفق التسعيرة الرسمية المقدرة بـ13 سنتاً للكيلو واط ساعة)، لن تكون إيجابية ما لم تقترن بمعالجة أسباب الهدر. وهذا، لا يتحقق عملياً، إلا بقرار سياسي واضح، مقترن بخطوات تنفيذية تهدف إلى خفض خسائر الكهرباء من نحو 50 في المئة حالياً إلى ما لا يزيد على 12 في المئة، لتحقيق التوازن المالي في بداية عام 2020.
وحتى بلوغ عام 2020، يمكن خفض الهدر بنحو 50 في المئة بمجرد القيام بخطوات بسيطة أبرزها: إنهاء الإشكالات التعاقدية لمشروع مقدمي الخدمات ضمن اعتماد التخطيط الهندسي وبناء الشبكة الذكية، تعديل نظام الفوترة على قاعدة التوازن الطاقوي والمالي، التزام مؤشرات الأداء التي تحدد آلية الدفع.
قبل ذلك، لا بد من التوقف ملياً عند المعدلات العالمية لاستئجار الطاقة من البواخر، التي لا تشكل أكثر من 2 في المئة من الطاقة المنتجة عالمياً، بينما تصل في لبنان حالياً إلى 20 في المئة، ويرجح أن تصل إلى 50 في المئة في حال استئجار الباخرتين الجديدتين.
لجنة المال تُبقي على تقديمات القضاة
تناقش لجنة المال والموازنة اليوم موازنة رئاسة الحكومة ووزارات الأشغال والصحة والعمل، بعدما أقرت في اليومين الماضيين موازنات ١٤ وزارة، إضافة إلى موازنة رئاسة الجمهورية. وفيما يرجَّح أن تنهي اللجنة غداً موازنات كل الوزارات على أن تبدأ بعدها مناقشة مواد قانون الموازنة، توقع رئيس اللجنة إبراهيم كنعان تصديق الموازنة بداية الأسبوع المقبل، على أن ترفع بعدها إلى الهيئة العامة.
وكان النواب قد توقفوا أمس عند بند الجمعيات في موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية، مطالبين بتطبيق توصية لجنة المال بإجراء تقويم لهذه الجمعيات قبل تخصيص الدعم لها. كذلك برز دخول اللجنة على خط أزمة القضاة عند مناقشة موازنة وزارة العدل، فعمدت إلى الإبقاء على تقديمات صندوق تعاضد القضاة بعدما كان مشروع الموازنة قد خفضها. كذلك أحالت مسألة الدرجات الثلاث على الدرس لمعرفة الإمكانات المتوافرة، خاصة أن القيمة المطلوبة لا تتخطى 5 مليارات و500 مليون ليرة.