للمرة الأولى يصل ملف مؤتمر سيدر (باريس 4) إلى طاولة مجلس الوزراء. مشاريع أو استثمارات بقيمة 23 مليار دولار تبين للوزراء وجود عيب منهجي في إعدادها. لا أحد يعرف على أي أساس رتبت الأولويات أو وفق أي رؤية اقتصادية، لكن العجلة فرضت على المعترضين تأجيل الاشتباك وانتظار نتائج المؤتمر
حتى الوزراء لا يعرفون ماذا يريد لبنان من باريس 4. وصلهم، أمس، ملف مؤلف من 165 صفحة تضم مشاريع استثمارية تقدَّر قيمتها بـ 23 مليار دولار على مدى عشر سنوات، فحاولوا مناقشته قدر الإمكان. بالكاد تمكن المجلس من إعادة إدخال قطاعي الصحة والتعليم إلى القطاعات التي تحتاج للدعم، بعدما أسقطهما فريق رئيس الحكومة الذي أعد الدراسة. كانت الحجة أن المطلوب دعم مشاريع جديدة، بينما ترميم المدارس أو بناء المستشفيات لا يدخل ضمن هذه الخانة (يسري ذلك على توسيع الطرق) ولا مردود له! من أصل 23 مليار دولار لم يكن بالإمكان تخصيص 400 مليون دولار لقطاعين حيويين لهما تأثير مباشر في حياة اللبنانيين.
كل الوزراء، باستثناء فريق رئيس الحكومة، كانوا يتصفحون الرزمة التي بين أيديهم للمرة الأولى. لم يشاركوا في مناقشة مشاريع تدخل في صلب وظيفتهم، بل أوكلت المهمة إلى فريق رئيس الحكومة، الذي تعاون مع فريق رئيس الجمهورية وتشاور مع ممثلين عن الأحزاب، لمعرفة حاجاتهم المناطقية وأولوياتهم.
لكن من يقرر فعلاً هذه الأولويات في غياب رؤية اقتصادية كان قد أوكل أمرها إلى «ماكنزي». حتى تسمية «خطة» (كتبت باللغة الإنكليزية في الملف) بدت فضفاضة بالنسبة إلى وزراء، فالبرنامج الاستثماري المقدم غير مبني على أهداف واضحة. هو مجرد برنامج أعد على عجل، من دون تقدير نتائجه الفعلية. حتى وزير المال علي حسن خليل، سأل عمّا إذا كانت هناك دراسة أثر لديون مؤتمر باريس على الخزينة، فكانت الإجابة بالنفي. لا تقدير للمترتبات المالية للقروض التي سيحصل عليها لبنان ولا دراسة لما بعد إنجاز الاستثمارات! ماذا عن التشغيل والصيانة وتكاليفها؟ لا إجابة أيضاً. والأهم، هل الدولة اللبنانية قادرة على استيعاب هذا الحجم الكبير للاستثمارات المتوقعة (ما بين مليار دولار ومليار ونصف سنوياً) تمويلياً وتشريعياً وتنفيذياً؟ ثم، ألا يوجد حالياً تمويل متاح لمشاريع عديدة، لكن الحكومة لم تستطع الاستفادة منه لعدم توافر أموال الاستملاكات؟ هل تكديس القروض هو الهدف أم الاستثمار؟ وهل هناك موال آخر من نوع استجلاب ودائع لتدعيم الوضع النقدي والمالي؟ وحتى لو جرى تسييل هذه القروض، من يضمن أن لا يبتلع الفساد المستشري الأموال المتوقع الحصول عليها؟ وفي ظل غياب رؤية اقتصادية واضحة، كيف يمكن لبنان أن يلتزم استثمارات محددة لعشر سنوات؟ وماذا لو تبين بعد فترة أن ثمة حاجة لتمويل مشروع استثماري ما، كيف يمكن اللجوء إلى المستثمرين الأوروبيين، الذي سبق أن اطلعوا على حاجات لبنان خلال عشر سنوات، ولم يكن ذلك المشروع من ضمنها. هل يقتنعون بتبريرات على شاكلة «سقط سهواً»؟
ولأن أسئلة الوزراء أكثر من الأجوبة، اقتُرح أن يصار إلى تشكيل لجنة لدراسة الملف بطريقة أفضل، إلا أن رئيس الحكومة، تحت ضغط الوقت، رفض الأمر. وضغط الوقت رافق أيضاً إعداد الملف الذي سيرسل إلى باريس، فهل يحتمل ملف له يؤثر في مستقبل البلد أن يُعَدّ خلال أسابيع. يقول أحد الوزراء لـ«الأخبار» إن حالة العجلة لا تبشر بالخير، ومن الطبيعي أن تؤدي إلى أخطاء. يبقى أن يأمل اللبنانيون ألّا تكون هذه الأخطاء كبيرة أو جوهرية.
ما كتب قد كتب عملياً، والنقاش الذي استحوذ على أغلب وقت الجلسة، لم يساهم إلا في أمرين: إنقاذ قطاعي التعليم والصحة من الإهمال المتعمّد، والاتفاق على العودة إلى مجلس الوزراء لتحديد الأولويات وترتيب الأهداف. يدرك الوزراء أن هذا الجهد كان يجب أن يبذل قبل المؤتمر «لكن الوقت لم يسمح لنا بذلك». تبدلت الأولويات، وصار المطلوب انتظار نتائج المؤتمر ومن ثم الاتفاق بعدها على كيفية التعامل مع النتائج.
رئيس الحكومة، وبحسب البيان الرسمي بعد الجلسة، شدد على أهمية انعقاد المؤتمر وانعكاساته الإيجابية على الأوضاع الاقتصادية في لبنان، مشيراً إلى أن المشاريع التي قدمها لبنان ضمن برنامج الاستثمارات العامة (CIP) كانت موضع درس مع ممثلي الكتل النيابية، وهي ستطرح للبحث وفق الأولويات التي يحددها الجانب اللبناني. وقال الحريري: «علينا أن نعرف أن هذه المشاريع ستكون تحت متابعة البنك الدولي ومراقبته، وستتم بشفافية مطلقة، وهذا مهم جداً بالنسبة إلى الحكومة والأفرقاء والمنظمات التي ستتولى تمويل هذه المشاريع»، داعياً إلى تفعيل المجلس الأعلى للخصخصة في مجالات عمله. لكن في برنامج الاستثمارات لا تقسيم واضحاً للمشاريع بين تلك المخصصة للشراكة مع القطاع الخاص أو للخصخصة أو للتنفيذ من قبل الدولة. ترك الأمر للمستثمر ليكتشف بنفسه.