يصحّ القول في ظاهرة اللواء أشرف ريفي أنها استثنائية، ليس نسبة إلى طموحاته المترامية الأطراف، بل لأنها التشقق الأبرز في النصاب السياسي للظاهرة الحريرية في مرحلة الحريري الابن. حلُم وزير العدل السابق بأن يكون بديلاً لرئيسه سعد الحريري، آخذ بالتبدد، وهو بالكاد يستطيع تأليف لائحة انتخابية في مسقط رأسه
يُحاوِل أشرف ريفي التنفس تحت الماء. يسبَح الرجل في بحر الانتخابات ولا يتمكن من الوصول إلى طوق النجاة. زيارة الرئيس سعد الحريري الأخيرة للسعودية لم تكن في الحسبان. وبعد أن كان الوزير السابق يطمَح إلى تشكيل لوائح من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، مروراً بالجبل والعاصمة والبقاع، وجَد نفسه محاصراً أو محصوراً في عاصمة الشمال. أيقظته خطوة احتواء الرياض للحريري من جديد، ولعلها أنعشت ذاكرته، بأن الرهان على الدول قد يودي بالمراهن. الأصح أن يراهن على طرابلس. منها يبدأ وإليها يعود. لم يكُن له ما أراد من طموحات. هي سكرة الانتخابات البلدية الأخيرة في الشمال. اعتقد أنه بهزيمة كل المجتمعين ضده في الفيحاء، يستطيع التمدد. إلى جبيل وبنت جبيل. إلى عنجر وبرجا وكسروان. إلى الطريق الجديدة وعرسال. أظهرت الوقائع أن التواضع الذي لطالما ميّز شخصيته، في كل مسيرته العسكرية، انطوى فجأة. صرنا أمام شخصية ثانية. وجد الفضائي أنه عاجز عن تشكيل لوائح في مناطق لطالما رغِبت قدماه في أن تطأها. عادَ أدراجه خائباً في الكثير منها. مؤخراً في عكار بعد انسحاب النائب خالد الضاهر وخلافه معه. قبلَها في سعدنايل ومجدل عنجر، وصولاً إلى بيروت التي شعر بأنه غريب عن نسيجها. تحالفات كثيرة أمل ريفي بنسجِها، قبلَ أن ينفضّ المعترضون والمحتجون والانتهازيون (في البيت الحريري). هو سلوك شدّ العصب والتضامن مع الضحية. الحريري ما قبل الاحتجاز والاستقالة شيء، وما بعد ذلك شيء آخر.
خلال فترة غربة الحريري، في زمن حكومتي نجيب ميقاتي وتمام سلام، وتحديداً، بعد استشهاد اللواء وسام الحسن، صعد نجم اللواء. لم يعد يحتاج إلى إذن رئيس فرع المعلومات، قبل أن يدلي بدلوه في السياسة والأمن. الرئيس والمرؤوس معكوسان بالأمر الواقع حتى لو كانت رتبة هذا لواءً أو مديراً عاماً لقوى الأمن والثاني مجرد عميد.
غاب وسام عن المسرح. تمكن أشرف من استغلال غربة قائده السياسي سعد الحريري. استمال جزءاً من جمهور تيار المُستقبل، ووجد في الانتخابات البلدية ضالته. كان بريد رسائل بين الشقيقين الأكبر بهاء والأصغر منه سعد. سرعان ما اهتزّ عالم ريفي. لم يُحسن الاستثمار بالظاهرة التي أرساها في معركة الانتخابات البلدية. فشلت بلديته في تقديم نموذج يُحتذى به، وبالغ في الرهان على بهاء وقدرة السعودية والإمارات على قلب المعطيات.
يعيدنا الرجل إلى مربع العسكري. لم يُجِد في السياسة، كما كان يجيد في العسكر. غلبَت عليه حماسة الضابط. الأوامر والوصفات بدلاً من الرؤية والرّوية. أعلن ذات يوم أن سعد الحريري انتهى سياسياً، ما انعكس سلباً عليه في الشارع، وأخذ المعركة باتجاه شخصيّ وثأريّ. منذ ذلك الحين، توالت السّقطات. تجلّى أبرزها في هجومه على فرع المعلومات، وهو الذي لطالما تباهى بحرفية هذه المجموعة ومهنيتها وبتأسيسه لها. منعته عنجهيّته من الاعتراف بخطأ مُرافقه عمر البحر. يدعو إلى تعزيز وضع المؤسسات الأمنية وحصر السلاح في يدها، ويُشهر في المقابل سلاحه السياسي في وجهها فقط من أجل أن يلعب دور الضحية ويشدّ العصب على قاعدة أنه يتعرّض لمؤامرة كونية.
منذ ستّة أشهر بالتحديد، كانت أجواؤه احتفالية إلى حدّ غير مسبوق. سُئل ريفي، وكان يستقبل زواراً في مكتبه عن سر سعادته المفرطة. أجاب أن «استطلاعات الرأي التي تُجريها بعض شركات الإحصاء تؤّكّد أنّ شعبيّته في الشارع السنّي تتفوق على سعد الحريري بأشواط». بل أكثر من ذلك. بشّر ريفي من يعنيهم الأمر بأنه على بعد خطوات من تحقيق نصرٍ سياسي كبير. سئل: ما هو؟ فأجاب: كتلة نيابية تضم بين 8 و12 نائباً في ربيع عام 2018.
لم يتوقّف تفاؤل ريفي عند هذا الحدّ. ففي 4 تشرين الثاني، ولحظة استقالة الرئيس الحريري من الرياض، توقع ريفي أمام عدد من الأشخاص الذين التقاهم بأن الاستقالة «ستشكّل رافعة سياسية له». غاص الرجل أكثر فأكثر بالتفاؤل، معتبراً أن «التعاطف الشعبي مع رئيس الحكومة هو عطفٌ مؤقَّت سرعان ما سيزول».
السعودية التي بنى ريفي آمالاً كبيرة عليها، لم تلتفِت إليه، لا بل أعدّت له مفاجأة مُزدوجة. الأولى، حين استثنته من دعوة شخصيات لبنانية إلى الرياض، والثانية، حين تجاهله موفدها إلى لبنان نزار العلولا، فسقط ريفي سهواً عن جدول أعمال الأخير. في تلك اللحظة، أيقن ريفي أنه مجرّد من عوامل ثلاثة أساسية لخوض المعركة الانتخابية: الدعم السياسي السعودي، المال السياسي وافتقاده لشركاء يحارب بهم ومعهم سعد الحريري.
يُشير مقربون من الرجل إلى أنه عرضة لضغط كبير في كل المناطق. لا بل يذهب هؤلاء إلى حد القول إن معركة سعد الحريري الحقيقية ليست مع حزب الله، بل مع أشرف ريفي تحديداً. يقولون إن الحريري ينظر إلى ريفي على أنه عدّوه الأول في الساحة السنية.
لعلّ ابن منطقة الحديد في طرابلس دفع ثمن معاندته للمثل القائل «على قد بساطك مدّ إجريك». وتصّرف وكأن الشارع السني لفظَ الحريري، ما دفعه في يوم من الأيام إلى القول بأنه «لم يعُد حالة طرابلسية»، وعمِل وكأنه الزعيم البديل لـ «الشيخ سعد».
قد تحمل الانتخابات النيابية المقبلة الكثير من المفاجآت، كما حملت الانتخابات البلدية. يمنّي «ريفيّون» النفسَ بهذه الجملة. لا يلغي ذلك حقيقة إدراكهم أن ظاهرة اللواء ريفي أو مسار صعوده التدريجي لا شكّ في أنهما آخذان في الانحسار.