النظام التعليمي في لبنان يميّز ضد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. فعلياً، ما يصل الى 90 في المئة من هؤلاء لا يتلقّون تعليماً رغم التحاقهم بمؤسسات تتلقّى تمويلاً من وزارة الشؤون الاجتماعية. إذ أن كثيراً من هذه المؤسسات هي أقرب الى الحضانات منها الى المدارس
أكثر من 40 ألفاً هو عدد الأطفال اللبنانيين من ذوي الاحتياجات الخاصة بين سن الخامسة والـ 14 (عمر التعليم الأساسي). 10 في المئة منهم فقط تهتم بهم مؤسسات رعائية، ونسبة ضئيلة جداً تتعلّم في مدارس خاصة ورسمية، بحسب نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة «هيومن رايتس ووتش» لمى فقيه. فيما غالبية هؤلاء، ممن يعانون من إعاقات ذهنية أو جسدية، هم اليوم، فعلياً، «من دون مدرسة» كما أكّدت فقيه لـ«الأخبار».
ورغم أن لبنان، وهو طرف في اتفاقية حقوق الطفل و«العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، أقرّ عام 2000 القانون 220 الذي يضمن حق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم مع أقرانهم من دون تمييز. إلا أن الأرقام تظهر أن القانون لا يزال مجرد حبر على ورق، ولم تتخذ أي إجراءات لتحويله إلى واقع. إذ أن غالبية هؤلاء الأطفال مستبعدون من المدارس الرسمية بسبب سياسات القبول التمييزية، وعدم توفر البيئة التعليمية الملائمة. والعدد الأكبر منهم يلتحق بمؤسسات غير مخوّلة بالتعليم، أو لا يحصلون على أي تعليم على الإطلاق!
هذه الوقائع والأرقام جاءت في تقرير لـ«هيومن رايتس ووتش» بعنوان «أودّ الذهاب إلى المدرسة: حواجز تعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان»، أطلقته المنظمة أمس في مؤتمر عقد في فندق «مونرو» في بيروت أمس.
وأوضحت فقيه أن العمل على التقرير استغرق عاماً، وجاء أثناء درس المنظمة أوضاع الأطفال السوريين النازحين وقدرتهم على دخول المدارس في لبنان وتركيا والأردن. «وخلال البحث وجدنا أن الأطفال السوريين واللبنانيين الذين يعانون إعاقات من دون مدارس، فقررنا أن نركز على هذا الموضوع».
لم يتضمّن التقرير بيانات واضحة حول عدد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان، ولا عدد المسجلين منهم في المدارس، فبقيت تقديراته متحفظة. لكنه لفت إلى أن «من بين 8558 طفلاً لبنانياً بين 5 و14 سنة مسجلين في وزارة الشؤون الاجتماعية كأطفال ذوي احتياجات خاصة، هناك 3806 يرتادون مؤسسات مموّلة من الحكومة، بينما يتوزع عدد قليل على المدارس الخاصة والرسمية». وإذ لم يشر إلى رقم دقيق لعدد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة المدموجين في مدارس عادية، أكّدت فقيه أن النسبة «ضئيلة جداً... فهناك، مثلاً، 4 طلاب فقط مدموجون في المدارس الرسمية».
العدد الأكبر يلتحق بمؤسسات غير مخوّلة بالتعليم أو لا يحصلون على أي تعليم
ماذا عن المؤسسات الرعائية التي ترعى هؤلاء الأطفال؟ تشير فقيه إلى أن هذه المؤسسات «تحاول تقديم خدمة. ولكنها ليست مدارس، بل هي أقرب إلى الحضانة منها إلى المدرسة».
ويوضح التقرير أن هناك 103 مؤسسات ممولة من وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن «الموارد التعليمية في العديد من هذه المؤسسات سيئة جداً. ويثير غياب المراقبة وآليات التقييم السيئة والشح في الموارد قلقاً حول إذا ما كانت هذه المؤسسات تحفظ حقوق الأطفال بالتعليم».
وأشارت فقيه إلى أن المنظمة زارت 17 من هذه المؤسسات، «وفي أحد المراكز وجدنا الأطفال يرسمون ويلوّنون أظافرهم ويسرّحون شعرهم، لكن دفاترهم فارغة، ويقضون وقتهم من دون تعليم. علماً أن هؤلاء ليسوا بحاجة إلى مراكز خاصة بل إلى أن يدخلوا مدارس حكومية عادية شأنهم شأن كل الأطفال، وهذا حق مكفول يجب أن يطبق». واعتبرت أن الدعم الذي تقدمه وزارة الشؤون الاجتماعية للمؤسسات الخاصة يجب أن يحوّل إلى المدارس لتؤهل نفسها منهجياً ولوجستياً لاستقبال الأطفال. «وعلى لبنان أن يتخلص من اعتماده على المؤسسات الرعائية وضمان حصول الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة على تعليم جيد في الصف مع زملائهم بما يعينهم على الاندماج أسرياً واجتماعياً».
مدير «جمعية الشبيبة للمكفوفين»، عامر مكرم، قال لـ«الأخبار» إن «المدرسة لتصبح دامجة، يجب أن تطرأ تعديلات على أدائها، وهذا يحتاج أولاً إلى تنمية ثقافة الدمج واحترام الاختلاف عند إدارة المدرسة أولاً، ولدى الأساتذة والطلاب وتأهيلهم للعمل في صف دامج». واعتبر أن سياسات وزارة الشؤون الاجتماعية «مصمّمة لدعم المؤسسات الرعائية وليس المدرسة العادية. وأوضح أن الوزارة «تدفع على الطالب الكفيف ليدخل مؤسسة رعائية حوالى 8500 دولار سنوياً في حين أن الطفل الكفيف ضمن مدرسة عادية دامجة حيث هناك مربية مختصة ترعاه، ويعود إلى أسرته كل يوم مع كتبه المطبوعة بطريقة «بريل» ومطبعة خاصة يكلف 4000 دولار سنوياً فقط».