تتجلّى الفرادة اللبنانية في هذه الايام بأبهى صورها.. لكن، والحق يُقال، تفوّق اليوم وزير الداخلية نهاد المشنوق في سباق اظهار هذه الفرادة من خلال نعته الناخبين بالأوباش.. قد يأتي من يقول ان لا فرادة ولا تميّز في ذلك، ولهذا نقول "انت مش عارف" عمّن نتكلم.. فحضرة المشنوق بالخرزة الزرقاء هو ليس فقط وزير الداخلية، اي "رأس" الوزارة المسؤولة مباشرة عن الانتخابات والمرشحين والناخبين، فهو ايضا مرشح في نفس الانتخابات المسؤول عنها وعن ترتيباتها، وعن حقوق وواجبات المشتركين بها ترشّحا او انتخابا.. اخبرني الان اليس التمتع بالصفتين هنا هو الفرادة بعينها؟ ان تكون انت القاضي في قضية انت طرف فيها، لا سيما بعد ان تكون قد صرحت علنا انك خدمت "ناخبيك" بالقانون ومن خارج القانون؟ اليست هذه اعلى درجات الفرادة والتميز. وهنا،لا يمكن لأي احد ان يشكك بنزاهة هذا "المترشح" ذي المواهب الوزارية وذلك لأسباب عديدة يقع معظمها في دائرة الغيبيات، منها ان خرزة زرقاء ترد عنه عين الناخبين "الاوباش" كما وصفهم، ومنها انه حتى لحظة كتابة هذه السطور لم نفهم بعد "مع مين عم يحكي" الشاب الذي اكد له المشنوق في ساعة غضب انه "مش عارف حاله مع مين عم يحكي" وبالتالي يمكن ان يكون القائل يتمتع بصفات ما زلنا نجهلها..
مستشار الحريري الأب والذي رافق الحريري الابن في مساره منذ الوراثة الى اليوم، وحاول تجاوزه مرارا الا انه تراجع حفظا لوصية قد نجهل مصدرها، لم يحاول يوما ان يخفي مواقفة الحقيقية التي تدور جميعها في فلك البلاط السعودي. وان بدا لعين الناظر ان هذه المواقف قد ابتعدت او تمايزت عن موقف ولي الامر ممثلا بسفيره في بيروت في مرحلة ما فهذا اما يعكس مشكلة في عين الناظر، او يظهر اعادة دراسة لشروط العقد الذي يجمع صاحب العمل بالأجير..
نعود الى صلب الموضوع، اي ما الفرادة في ما قاله المشنوق؟ دعونا نصيغ الحكاية بتعابير "ديمقراطية". ان نهاد المشنوق مرشح في دائرة بيروت الثانية، ضمن لائحة الخرزة الزرقاء، وفي قوله "اوباش" عن ناخبي اللائحة المنافسة، كان يمارس الديمقراطية بأبهى صورها.. اجل! فالديمقراطية تكفل حرية القول والتعبير، وبالتالي تكفل لوزير الداخلية ان ينعت المواطنين بالنعوت المندرجة في لوائح المصطلحات التي يعرفها، لذلك لم نجد عيبا في كمية الكلمات الصادرة من المواطنين تجاه المشنوق وكل ذلك في اطار "حرية النعت" التي افتتحها المشنوق اليوم مضيفا الى مميزات الديمقراطية الجديدة نوعا جديدا من الحرية. وبالتالي ايضا هو لا يمكنه الان ان يشتكي من كمّ الشتائم التي لحقت به جراء هذه الاضافة الفريدة التي رفعت اسم لبنان عاليا، واثبتت للقاصي والداني ان هذا البلد هو قطعة سماء تفيض على العالم من نور المصطلحات وال"خوش_بوشية" في التعاطي بين المرشح والناخبين.. اقصد بين وزير الداخلية والمواطنين..
وتلك ليست المرة الاولى التي يتحمس فيها المشنوق ويخرج من قاموسه التعابير التي تليق بقائلها وتعبر عنه.. وربما عن المحيطين به لا سيما إن صفقوا..
فعبارته الشهيرة "مش عارف حالك مع مين عم تحكي" اصبحت جزءا من التراث المحكي الذي نتباهى به على سائر البلدان والشعوب والاثنيات..
ولا ننسى أيضاً، والشيء بالشيء يُذكر، ذاك الفيديو الذي يخاطب فيه المشنوق بعض المواطنين، وإظهار فضله عليهم في خدمتهم بكل الوسائل الممكنة، القانونية وغير القانوينة.
بالنهاية، قال المرشح عن الخرزة الزرقاء كلمته، والكلمة لا تُردّ ولا تسقط عن المسامع بالاعتذار، ولن يغير ذلك في مسار الامور شيئا.. المسألة قبل كل شيء مسألة اخلاق، حتى الموقف السياسي والموقف الوطني هو بالدرجة الاولى موقف اخلاقي.. لذلك، ليس متوقعا ان نجد كلمات تعبر عن اخلاق رفيعة او عن احترام، ولو شكليّ، من شخص يمجّد القاتل في اليمن، ويعيب على رجال الشمس قتال الارهابيين، وينتظر ان تسقط سوريا، اخر معاقل العروبة الحرة الممانعة .. لأن كل ذلك مسألة اخلاق لا رمادية فيها ولا وسطية. لا يمكن النظر الى ما قاله المشنوق اليوم وكأنه مفاجأة او زلة لسان.. قال ما يشبه مواقفه.. وقديما قيل: "اذا اتتك مذمتي من ناقص/فهي الشهادة لي بأني كامل".. وكان جميلا اليوم ان يعترف المشنوق بالكمال لخمسة واربعين الف ناخب.. جميل حد صناعة الضحكة وتحويل النهار الى يوم وطني لتبادل النكات..
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع