على غرار بيان استقالته من المجلس النيابي عام 2008، جاء بيان انسحاب الرئيس حسين الحسيني من المشاركة في الانتخابات ليُخرجه من الحياة السياسية. الفارق أن «أبا الطائف» أحدث ضجة على مستوى لبنان في الاستقالة الأولى، في حين لم يتردّد صدى الخطوة الثانية إلا على مستوى بعلبك ــ الهرمل
أربك انسحاب رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، من المعركة الانتخابية، المُراهنين على حيثية بقاعية ما يمكن أن تشكل قوّة اعتراض بوجه كل من حركة أمل وحزب الله. قراره الذي لم يُفاجئ البعض، اعتبره آخرون بمثابة إعلان نهاية مسيرة الحسيني، سليل عائلة ترشّح أربعة منها إلى انتخابات هذه الدورة. انسحب الرئيس، ليُكمل بقيّة المُرشحين، ولكن... «على اختلاف».
ليلة فكّر الحسيني في الانسحاب، أرسل إلى زملائه المرشحين المفترضين على لائحته، طالباً رأيهم بمضمون البيان الذي سيُصدره في هذا الشأن. استمهلوه، ليفاجأوا بخطوته قبل أن يستمع إليهم. «يبقالكم بطول العمر»، قال أحد أصدقائه مُعلّقاً على الخطوة التي لم يكن يتوقعها، على العكس من الجميع. «الصديق» كان يُغالط كلّ ناصحيه بألا يُعوّل على الحسيني، وأن يتوقعوا انسحابه عاجلاً أو آجلا.
في بيانٍ اتّسم بالبلاغة القانونية والأدبية المعتادة، توجّه الحسيني إلى اللبنانيين واللبنانيات مُبرّراً سبب عزوفه. رأى أنّه بعد الترشح، باتت «المواجهة تتمثل بالإعلان أنّ هذه الانتخابات ليست نيابية بل استنيابية. الدعوة إليها هي دعوة إلى التصديق على حُكّام الأمر الواقع وعلى اقتناصهم الفرص الشرعية».
يستمرّ نجله حسن الحسيني في خوض الانتخابات في زحلة
يحار كثيرون في خلفيات عزوف رئيس مجلس النواب السابق، المُتحدث في بيانه، و«كأنّه طارئ على الحياة السياسية في لبنان». مبرراته لم تشفع له بقاعياً، في صفوف الأنصار والأصدقاء، ممّن استعادوا في ذاكرتهم تاريخ الرئيس الماضي، الذي كاد يخلو من كلمتي «لا» أو «نعم»، على حدّ توصيف أحدهم. بقسوة مماثلة، يُتابعون: «أراد أن يُدير معركته الانتخابية من داخل منزله في عين التينة في بيروت. لم يزر البقاع، طوال الفترة الماضية، إلا مرّة حين اجتمع بالمرشحين المُستقلين في فندق «بالميرا»، وليس في بيته الذي بقيت أبوابه مغلقة كلّ تلك الفترة. حتى حين توفي مؤخراً أشخاص مقرّبون إليه، اكتفى بإرسال نجله حسن مُعزّياً باسمه».
في البقاع، انقسام حول شخصية رئيس البلدية والنائب ورئيس مجلس النواب و«السيد». يأخذ عليه كثيرون «ابتعاده عن أبناء ملّته. شيّد بعد حرب تموز سوراً حول بيته بارتفاع أربعة أمتار، بدل أن ينفتح على الناس».
يُضاف إلى ذلك، انتقاداتهم لمواقفه السياسية، وحديثه المتكرّر عن التبعية للسلاح والدولة المدنية. أثار حفيظة من اختبروه عن قرب، وهو الذي شارك في تأسيس حركة أمل عام 1974، والتي كانت تُعرف في ذلك الوقت بـ«حركة المحرومين». تولّى رئاسة «الحركة» ما بين عامي 1978 و1980، وذلك بعد اختفاء الإمام السيد موسى الصدر. لطالما كان مُقرّباً من السوريين، أيام الوجود السوري في لبنان، وصديق الايرانيين، «الذي زاره وفدٌ منهم قبل أيام»، بحسب مصادر بقاعية.
انسحب الحسيني من الانتخابات، لكنّ نجله وأخوَيه، قرروا المضي في المعركة، ولعلّ ذلك من النوادر التي سيُسجّلها التاريخ. وهذا ما يفُسّره مراقبون بحدوث «خلاف داخل البيت على الوراثة السياسية. وهو ليس طارئاً، لكن مكمن الغرابة فيه رفض الحسيني سابقاً لفكرة التوريث، إلا أنّه يُمارسها اليوم عملياً من خلال نجله». حسن حسين الحسيني أسرّ خلال زيارته بلدته شمسطار بأنّ سبب ترشّحه في زحلة مردّه إلى علاقة قديمة تجمع بين آل الحسيني وآل سكاف. وقال لمُحدّثه: «ما فينا نترك الستّ ميريام لحالها».
تعود العلاقة بين عائلتَي سكاف والحسيني إلى الصداقة التي جمعت وزير الداخلية، آنذاك، جوزف سكاف (والد النائب الراحل الياس سكاف) بوالد الحسيني. كان من نتائج هذه العلاقة فوز الحسيني برئاسة بلدية شمسطارعام 1957. انتُخب «السيّد» نائباً منذ عام 1972، واستمر في عمله النيابي حتى تاريخ استقالته من البرلمان في 12 آب 2008. ترأس مجلس النواب منذ عام 1984 حتى عام 1992. كانت له مساهمة في التوصل إلى اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب اللبنانية. لا يزال حسين الحسيني يحتفظ بمحاضر اجتماعات «الطائف»، السرية، حتى تاريخه.