"هذه المقالة غير مبنية على تحليل سياسي، بل على معلومات من مصادر موثوقة وهي تنشر للمرة الأولى بهدف التنبيه لهذا المخطط الشيطانيّ." لطالما عرفت الولايات المتحدة الأميركية بأنها صانعة السياسات التخريبية في كل زمان ومكان، ولها تاريخ طويل وعصيب في خلق ودعم الجماعات الإرهابية في كل بقاع الأرض. فهي صاحبة المخططات الجهنمية والآمرة بالانقلابات العسكرية حينما تشاء. ولعلّ في ما فجرته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في كتاب لها أطلقت عليه اسم "خيارات صعبة"، مفاجأة من الطراز الثقيل، عندما اعترفت بأن الإدارة الأميركية قامت بتأسيس ما يسمى بتنطيم " الدولة الإسلامية في العراق والشام" والمعروف " بداعش"، بغية تقسيم منطقة الشرق الأوسط وفق مصالحها. ولقد شكل داعش أداة إرهابية استخدمتها السياسة الخارجية الأميركية في الضغط على كل من إيران، وروسيا، وسوريا، بغية إضعاف هذه الدول واستهدافها.

وبعد الفشل الذريع الذي مُني به هذا التنظيم الإرهابي، والذي امتد إلى استراتيجيا الولايات المتحدة التي خابت آمالها، تسعى أميركا لإعادة بسط نفوذها من خلال لعبة سياسية جديدة تعيد مفاصل القرار لمشيئتها. وتعزم أميركا على استخدام كافة العوامل والإمكانيات المتاحة لإجبار دول مثل تركيا والعراق وسوريا على تعديل سلوكها، خاصة أن السياسات الخارجية تشهد تغيراً ملحوظاً، لا سيما إزاء التعاون بين الأتراك والروس والإيرانيين، وهذا التعاون لا ينظر اليه من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط بعين الودّ، لأنه تعاون خطر قد يقلب موازين المنطقة رأساً على عقب، ويقف بوجه العديد من الأطماع الاستعمارية التخريبية الهادفة.

وبعد البحث والتخطيط، اختارت واشنطن اللعب بالورقة الكردية، لكي تستطيع مواصلة سياساتها التخريبية أمام سوريا والعراق وتركيا وإيران، وذلك من خلال خدعة محكمة مدروسة توهم الأكراد بالخوف على مصالحهم وتغذي القومية الكردية في كل الدول التي ذكرت بما يتناسب مع المخطط الأميركي، بغية خلق تنظيم كردي اسلامي متطرف يحاكي تنظيم داعش الإرهابي بتصرفاته وأهدافه. فأكراد كردستان يسعون لتوسيع إقليمهم، وأكراد سوريا كان لهم دور بارز في الأزمة السّورية، أما أكراد إيران فبعضهم قاموا بتحركات تحررية، مما استدعى رداً إيرانياً هاماً.

فالسياسات والتوجهات الأمريكية تثبت أن الورقة الكردية ذات أهمية فائقة، وتمنح واشنطن القدرة على إشهار هذه الورقة في وجه أربع دول مهمة في آن واحد. كما أن مسألة تشكيل دويلات كردية مستقلة هي قصة لها شجون، فموضوع قيام كردستان الكبرى كان مطروحا منذ أمد بعيد، لكن في الوقت الحالي الذي تعاني فيه أغلب دول المنطقة من أزمات كبرى، يتجه الأكراد أيضاً للعب دور في ما يجري، وإن كانت قضية تشكيل دويلات كردية تبدو مستبعدة بعض الشيء، أقله في الآونة الحالية لأن ذلك سيؤدي الى تشديد الأزمة بدل إخمادها. وفيما يخص سوريا أكدت كافة الدول المؤثرة على ضرورة حفظ وحدة الاراضي السورية لكن هذا لا يقضي على احتمال وجود مخططات غربية خلف الستار لايجاد حكم ذاتي للأكراد.

قد تكون تركيا تدعم الأكراد وتوفر لهم مختلف الحقوق والحريات، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر نظيره التركي الرئيس رجب طيب أردوغان، من احتمال انقلاب الأكراد عليه، كجزء من المخطط الأميركي الهادف والمدروس، وذلك خلال القمة التي عقدت اخيرا بينهما، مما سينعكس سلباً على الأوضاع التركية والإقليمية بشكل كبير. ولعل جماعة "أنصار الإسلام" من أحدث التشكيلات السياسية الكردية التي تلعب دوراً هاما في هذا المجال، حيث أُسست عام ٢٠٠١، وتنشط في كردستان العراق سياسياً وعسكرياً، وتتعرض لاتهامات بالانتماء لتنظيم القاعدة مما يجعلها غاية سهلة المنال لدى الأمريكيين. فكردستان يحدها من الشرق ايران، ومن الشمال تركيا، ومن الغرب سوريا، بينما يحد الإقليم من الجنوب بقية مناطق العراق، مما يجعله موقعاً استراتيجياً مهماً في أي مخطط أميركي سائد.

وفي مرور سريع على انتخابات كردستان العراق عام ٢٠١٤، نجد أن نتائج الانتخابات التشريعية العراقية في هذا الإقليم جاءت لصالح الأحزاب التقليدية، حيث احتل الحزب الديمقراطي الكردستاني المركز الأول بحصوله على 17 مقعدا، وحل الاتحاد الوطني الكردستاني ثانيا بحصوله على 11 مقعدا، مما زاد من نفوذ المسلمين في إقليم كردستان، وساعد الأميركيين على استغلال الوضع الراهن من أجل تنفيذ مخططهم المزعوم. لقد كان لهذه المعضلة الكردية ان تتحول مع الايام الى تطرف قومي شامل، وصل الى حد الانقلاب القيمي مما جعلهم لعبة تستغل بإبتذال في الصراعات الدولية، إذ أخذت الدول التي لها مصالح باستثمار التطرف القومي الكردي لتحقيق مصالحها في الضغط على هذه الحكومة أو تلك، أو لتحقيق مشاريع سياسية في المنطقة، وخير دليل على ذلك هو استغلال واشنطن للأكراد في حرب الخليج الثانية، وهي اليوم تحاول الامر نفسه في مشروعها الجديد بغية تغيير الخارطة السياسية في الشرق الأوسط وفق ما تقتضيه مصالحها، ولعل الهدف الأساس الذي تصبو إليه هو استكمال السيطرة على منطقة الشرق الأوسط بدءاً من افغانستان مروراً بباكستان والعراق وصولاً للبحر المتوسط حيث سيتم التنسيق بين نقاط تمركز الأكراد في هذه المنطقة وذلك من خلال استنهاض القومية الكردية، واستغلالها لكن دينيا، وستكون هذه السيطرة عسكرية مباشرة لا تختلف عن تلك السيطرة الاستعمارية التي سادت في بداية القرن الماضي، وذلك بهدف عزل الجمهورية الإيرانية شمالا عن محيطها الآسيوي وعزل تركيا جنوبا عن محيطها العربي المتمثل بسوريا والعراق وهذا هو جوهر المخطط.

وإن نجح المخطط المشؤوم، ستفوز أطماع واشنطن بتشكيل نافذة كردية موحدة تشرف على الشرق الأوسط، وسيشكل ذلك نواة الامتداد والتوسع الأميركي في هذه المنطقة التي كانت ولا تزال ساحة مختلف الصراعات الدموية الدولية، نظراً لأهميتها العسكرية والإستراتيجية والاقتصادية الهامّة. إن نجاح هذا المخطط وتنفيذه يعتمد على وعي الأكراد، ومدى إدراكهم لمصالحهم، ولو استذكروا التاريخ لوجدوا أن قضيتهم لم تُدول يوماً، فلا تخرج هذه القضية إلى السياسة العالمية حتى تعود بسرعة غريبة إلى التجاهل بعد انتهاء المخطط واستنزاف القومية الكردية لمصلحة مشاريع الدول الكبرى وخاصة أميركا. ولا بد من الإشارة إلى أن كل ما ورد في هذا المقال لا يشمل كل الأكراد، بل العينة المتطرفة القليلة جدا منهم والذين يأملون بأميركا ويغفل عن بالهم أنها دولة استغلالية بالدرجة الأولى، وعليهم ألا ينتظروا من الآخرين خدمات، لأنها لن تكون خدمات مجانية في جميع الأحوال.

المصدر: خاص