بين تحسّب الصهاينة من رد مباشر على عدوانهم الذي استهدف مطار تيفور السوري وبين ترقب العالم لتدحرج الأمور نحو حرب إقليمية كبرى وحتى عالمية، نظن ان قصة توجيه ضربة عسكرية محدودة لسوريا على خلفية مزاعم الكيماوي الكاذبة، ما هي إلا راية خاطئة أو، بشكل أدق، مجرد ذريعة مصطنعة لا تفسر أهم ما في الأمر ألا وهو كون سوريا هي المقياس الإستراتيجي لكل طفرة نوعية في تغير ميزان الردع الإستراتيجي العالمي ونظام عولمة الأقطاب الجماعية الجديد.

في الواقع، فشلت كل مراحل وسيناريوهات الحرب البديلة الارهابية الشاملة على سوريا عن طريق الأدوات وعن طريق الاصلاء من ناتو غربي وناتو عربي وصهاينة واتراك في نفس الوقت، في تركيب حرب هجينة استراتيجية غير مسبوقة. لم يعد العالم عالم امبريالية كما هو معلوم لا منفردة ولا جماعية بل أصبح نظاما امبراطوريا مندمجا بشكل اخطبوطي بين رأسه الكبير ورؤوسه واطرافه الأخرى. ونحن ننتقل الآن من رأسمالية عالمية معولمة ومندمجة إلى رأسمالية عالمية معولمة ومشتبكة بعد تعويم هذه العولمة في بحر الصدام العسكري، ستنتج في أطوار أخرى أنماط نظام وصراع اكثر وضوحا. معروفةٌ محاور هذا التوتر الكبير وكذلك مداراته وقوى التوجيه فيه كما آليات التحويل بالطفرة الكبرى إذا سدت أبواب الانتقال التدريجي، ومن بينها التصادم المسلح علاوة على الحرب التجارية والاقتصادية والمالية بوجه عام.

نذكّر هنا بشكل برقي برؤية البحار الخمسة، غير الجديدة في الحقيقة، والتي أطلقها رئيس الجمهورية العربية السورية الرئيس بشار الأسد سنة 2011 على انها عقيدة سوريا الاستراتيجية، عقيدة سوريا وحلفائها على وجه التحديد في كل شؤون الأمن القومي وفي سائر التفاصيل الجيوسياسية والجيوستراتيجية، وبما انها أهم سبب باعتبار ما قبلها وما بعدها في تصاعد التوتر منذ ذلك الوقت إلى درجة الاقتراب من واقع صفر مناورة، نرجح انه لن يكون هناك أي جديد على مستوى المشهد الاستراتيجي وعلى مستوى الميزان الاستراتيجي في صورة الحرب سوى تثبيت حقيقة الردع واكتشاف حقيقة التقدم في هذه العقيدة وواقع تحصينها الاستراتيجي طويل الأمد. ما يعني تماما انتصارها وانحسار قدرة العدوان إلى درجة التهديد الوجودي المباشر لبقاء كيان الاحتلال الصهيوني ومصالح الغرب ووكلائهم في المنطقة.

ولذلك نرى بانحياز واضح فيه ما فيه من الاستشراف: سهمنا غرزناه في قلب كل الماضي الاستعماري وبالدم سنفتح كل المستقبل. كل البحار تغلي وتغلي السماوات ونحن واقفون ومنتصرون وعلى أرضنا ثابتون مع صاحب رؤية البحار الخمسة التي افقدت كل استعمار العالم عقله وجنونه ودخل في حرب فشلت وهي تدخل عامها الثامن وستفشل إلى الأبد بحجم التضحيات التي تستحق.

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع