انتهت القمة العربية النائمة لتستيقظ الأمة على مواد دسمة من النكات والسخرية مما خلفه القادة العرب في مواقفهم وسكناتهم وكبواتهم أثناء القمة!! كم هو جميل أن من تسبب بكل مآسي الأمة هو ذاته من يضحكها، وكم هو قبيح عندما نعلم أنهم يصنعون المأساة عن قصد ويرسمون الابتسامة عن غير قصد وفي النهاية ستبتسم مجبراً فأنت في حضرة القادة العرب. وحبذا لو كانت هذه الابتسامة ابتسامة راضية بإنجازات وحقوق قدمها القادة للناس لكنها دائماً تكون ساخرة من تخاذل بعضهم وذل وتقصير البعض الآخر.
انتهت القمة وبدأت الحملات الناقدة لأداء الرؤساء العرب في كلماتهم عن القضايا الكبرى والمصيرية وبين السطور هفوات قادة. وسرعان ما اجتاحت كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة قياسية عندما قال "إن مصر لن تقبل قيام عناصر يمنية بقصف الأراضي السعودية بالصواريخ الباليستيكية" لتنطلق بعدها الهشتاغات المنددة والتغريدات المدافعة وتتحول منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب حقيقية ويتحول هشتاغ الصواريخ البلاستيكية إلى ترند أول وتبقى القمة العربية ترنداً ثانياً، وهذا مؤشر على أن الموضوع أخذ جدلاً أكثر من نفس القمة التي من المفترض أن تكون هي الحدث.
ومن الناشطين من اتهم السيسي بخطأ في المضمون وعاب عليه عدم معرفته نوعية هذه الصواريخ وقلة اعتبروه خطأ لغوياً ومنهم من لم يعتبره خطأ من الأساس.
اسم هذه الصواريخ بالعربية "صواريخ باليستية" وبالإنكليزية “Ballistic missiles” والسيسي لفظها "باليستيكية". وبين لهجة عربية وأخرى وبين أذن وأخرى سُمعت بلاستيكية ومن غير المعقول أن لا يعرف السيسي الذي كان سابقاً قائداً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع نوعية هذه الصواريخ لذا فالأرجح أن يكون الخطأ لفظياً محضاً وهو زاد حرفاً واحداً على الأصل العربي للكلمة. لكن هذا الحرف تحول إلى حرب كلامية حقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي يستوقفك فيها أمران:
الهجمة التي شنت على السيسي وحملة الدفاع المضادة وما رافقها من تبريرات لعل خطأ السيسي أفضل منها بكثير!!
في حملة الهجوم يستوقفك أنه رغم الكم الهائل من الأخطاء اللغوية التي أطربنا بها الزعماء العرب لم يلتفت أحد لغوياً إلا لخطأ السيسي. لماذا؟ السبب واضح للغاية المسألة ليست مسألة لغوية لأن السيسي لغوياً كان أفضل من كثير من القادة العرب المسألة هي مسألة هجوم على موقف السيسي وليس على حرفه المضاف. فلو كان السيسي أخذ موقفاً منصفاً في الحرب على اليمن لما كنا شاهدنا كل هذه الحرب الإلكترونية ولكن بما أن موقفه كان متحيزاً مع السعودية التي تشن عدوانها على اليمن وبالتالي كان هذا الحرف باباً يدخل منه كل من اعترض على موقفه باعتباره خصماً تجوز عليه الحرب الإعلامية.
أما حملة الدفاع فكانت من الشراسة بما يدهش العقل!! تذهب إحدى المذيعات المصريات إلى تحليل الموضوع على أنه "جزء من التعامل على شخصية الانسان المصري الذي هو مع جغرافيا مصر العقدة لأهل الشر!!" وتعود لتبرر في نفسها الخطأ الذي نفت حصوله على الهواء فتقول إن السيسي تعلم عند "الأميركان اللي بهدلوا اللغة الإنكليزية بتاعة إنكلترا" وفي ذلك اعتراف بأن الأخطاء اللغوية قد تحصل. وسرعان ما تحول حرف الريس إلى مؤامرة على السيسي كما اعتبرها البعض وبدأ ناشطون بالدفاع اللغوي عن اللهجة المصرية وأن السيسي لم يخطئ حتى بحرف!!
حجم حملة الدفاع عن السيسي يعرّفنا حجم مأساة التفكير عند بعض العرب!! تخيلوا لم يهن عليهم أن ينال أحد من حرف الريس ولكن هان عليهم أن ينال الريس من الصواريخ اليمنية التي وجدت لحماية أطفال اليمن وشعبه من العدوان الآثم الذي فرض عليهم.. تخيلوا لم يتقبلوا انتقاد حرف الريس وتقبلوا كلام السيسي المتقبل للمجازر التي حصدت مئات اليمنيين الأبرياء!! هو إذاً ليس حرف الريس يا سادة هو مسار دفاع عن قضية امتطت هذا الحرف لتنفس عن مأساتها، عن ظلمها في أروقة القمم وعن محاولة تعمية الرأي العام عن المجاعة والأمراض التي تفتك في جسد أهل اليمن بسبب العدوان السعودي الذي يجب أن يشار له بالبنان. والأجدى بدل الاستماتة في الدفاع عن حرف ولفظ الريس أن يستميتوا بالدفاع عن أرواح بريئة تقتل يومياً بغير ذنب، وحرف الريس سيبقى رصاصة في صدر هؤلاء لأنه لم يكن في جملة الحق المناسبة.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع