قديما قيل إن كلام الرجال على قدر عقولها وعلى قدر عزتها. لذا، لا يمكن ان تنتظر خطابا راقيا من سفيه او تتوقع تفاهات خطابية من عزيز عاقل. انطلاقا من هذه القاعدة، يصبح المثل القائل "شتّان ما بين الثرى والثريّا" حاضرا في مرحلة ما قبل الانتخابات اكثر من اي زمن مضى..
تكفي متابعة عابرة لنشرات الاخبار كي يتبين لنا اتساع الهوة بين سفاهة خطاب انتخابي تحريضي مريض يستدعي الفتنة في نفوس الناخبين ويبني عليها ويزايد بها في سبيل صوت تفضيلي مدعم بكل انواع التفرقة والتخويف، وبين خطاب انتخابي متماسك واعٍ  لمشروعه ودوره، يتوجه الى عقول الناس ووجدانهم، يحاكي اهتماماتهم ومعاناتهم ويحترم كراماتهم. وهنا، ليس ضروريا ان نذكر اطراف كلا الخطابين، فالشمس ساطعة وللناس عيون ترى وآذان تسمع..
وما رأته الناس وسمعته من سعد الدين رفيق الحريري في جولاته الانتخابية الا دليل يُضاف إلى قائمة أدلة على الافلاس، ليس الافلاس المالي الذي صرّح به "متباهيا" وكأنه يقرّ ان كل المعارك الانتخابية التي خاضها مشروعه منذ الاب الى الوريث كانت قائمة على المال الانتخابي، الذي تمثّل حينا بتنكة زيت، وببون بنزين في حين آخر. لقد صرح ضمنا هذا الشاب بالافلاس السياسي ايضا في كل مرة تمكن فيها من جمع عدد "خجول" انتخابيا من الناس ووجد "ميكروفون" يخاطبهم عبره. فتركيزه على مآثر ابيه وانجازاته، بين قوسين طبعا، هو اعترافه بأنه مجرد وريث فاشل لمشروع ما عاد يذكر لدى الناس الا بسياسة الافقار وتزيين وسط المدينة بما يليق بمزاج " السواح والمستثمرين الخليجيين". اما اصراره على اظهار أعراض عقدة حزب الله لديه فقد صار ملفتا الى الحد الذي يمكن لأي مبتدىء في متابعة الاخبار ان ينتبه الى ان الشاب يعاني جديا من متلازمة "التحريض على حزب الله" ويطرح سؤالا مشروعا: ماذا كان سيقول سعد الحريري كلما امسك بمكبر صوت لو لم يكن هناك حالة مقاومة اسمها حزب الله؟ هل كان سيحدثنا مثلا عن هواياته، عن عمق العلاقة بينه وبين ابن سلمان التي تمثلت بالسيلفي حينا وبالصفعات احيانا كما قيل؟
وكذلك يفعل خطيب اخر، بدأ مسيرته الوزارية بلباس العقل والحديث العقلاني، ودعمه بعبارة "مش عارف حالك مع مين عم تحكي".. هذه العبارة التي فقدت بريقها مع بدء الموسم الانتخابي اذ تفوّق على نفسه في التعبير عن حقد ما، وصل به الى التخوّف من تحوّل بيروت الى حسينية! فبلغ بذلك قمة التحريض الطائفي المخيف.. 
هذان الخطيبان اللذان  توجها بهذه اللغة الى اهل بيروت بشكل خاص نسوا او تناسوا ان بيروت مدينة المقاومة، عاصمة عربية عرف اهلها طعم الكرامة وتمتعوا بمذاقه منذ ان حرروا مدينتهم من الاحتلال، ومنذ ان عانوا، والمعاناة مدرسة الشرف، من المشروع الذي نهب محالهم وارزاقهم وحولها الى استثمارات لا تعود عليهم الا بالتحسّر والغصة، والمشروع الذي حول العاصمة الى ضاحية تحيط بوسط المدينة المخصص للأغنياء وجعلهم فقراء على اعتابها، المشروع الذي افقرهم كي يشتري اصواتهم بحفنة من مال او مساعدات عينية، المشروع الذي اهان بيروت والبيروتيين واكمل اهانته لهم بمحاولته وضعهم في موقف المواجهة مع رموز المقاومة، ومع طعم الكرامة التي منحتها المقاومة لكل شريف ولكل حر على امتداد هذا العالم.
موسم انتخابي، سوق من كلمات ومشاريع، وككل سوق فيه بضاعة اصلية اصيلة، وفيه المسمومة والمزورة.. اما نحن، المارين في هذا السوق، فلدينا ما يكفي من العزة كي لا ننحني لبضاعة فاسدة وكي لا ننصت لصراخ السفهاء من الباعة، ووكلائهم.

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع