لم تعد الازمة السورية حربا داخلية ذاتية، بل تعدت الى ما هو خارج النطاق السيادي السياسي للدولة لأنها، اضافة الى قتالها الداخلي، تشهد حربا خارجية متعددة المحاور عبر جماعات تم تمويلها من قبل دول عربية وأجنبية تؤثر على سير العمليات العسكرية وتشارك في تحديد مصير الجمهورية العربية السورية. لذا من اجل كسب المعركة دوليا وإقليمياً عمدت الدول المتحالفة المعارضة إلى تفجير شيفرة تدّعي بها استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية التي تحتوي على مواد نووية سامة مما عرض السلطات السورية للمحاكم الدولية بحجج لا تمت للواقع بصلة كما حصل مع العراق سابقاً.
وفي هذا السياق أعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان رسمي صادر عنها في 23 نيسان 2018 أن الصناعة الكيميائية للجمهورية العربية السورية المدنية والعسكرية، على حد سواء، كانت واحدة من اكثر الصناعات تطورا بين بلدان الشرق الأوسط. ولقد كانت للقدرات الكيميائية العسكرية أهمية استراتيجية مفهومة في سياق المواجهة طويلة الأمد مع "إسرائيل"، ولكن منذ عام 2011 ومن دون أي أساس جدي، أصبحت الولايات المتحدة ترسل، على مختلف المستويات بما في ذلك الرئاسية، إلى سوريا تهديدات أنها وفي حال استخدمت دمشق أسلحة كيميائية فستضطر -أميركا- إلى تجاوز ”الخط الأحمر" الوهمي الذي رسمته واشنطن، وستباشر بعمل عسكري ضد سوريا. اضافت الخارجية الروسية أنه خلال تلك الفترة لم يتم تسجيل أي حقائق مؤكدة على استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية. وفي الوقت نفسه ازدادت حوادث استخدام الأسلحة الكيمياوية، من قبل مختلف القوى المناهضة للحكومة السورية، بما في ذلك الجماعات الإرهابية التي تدعمها الولايات المتحدة وحلفاؤها.
وهنا يتساءل المراقب: هل يمكن اعتبار هذه الادعاءات الأميركية مجرد اتفاق تقوم به الجماعات المعارضة وحلفاؤها بغية كسب دعم الدول الاخرى وجعل الاحداث تميل لصالحها؟ أم أن هذه الاتهامات مشابهة لاتهام العراق في 2003 بغية اجتياح سوريا؟ وهل سيقف الرئيس بوتين متفرجا على الجنون الاميركي؟
وفق بيان الخارجية الروسية، فإن المباحثات الروسيةـ الأمريكية في جنيف عام 2013 اسفرت عن التوصل إلى اتفاق إطاري، عززه قرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وقرار مجلس الأمن الدولي 2118. واُعتمدت خطة غير مسبوقة بطبيعتها وبسعة نطاقها، لنقل المكونات الرئيسية للأسلحة الكيميائية السورية وتصفيتها في الخارج. في الوقت نفسه تم عام 2014 وبضغط من الدول الغربية إنشاء بعثة منظمة الأسلحة الكيميائية للتحقق مما اذا كان إعلان سوريا الأولي عن أسلحتها الكيميائية بموجب المادة الثالثة من اتفاقية الأسلحة الكيميائية، دقيقا وكاملا.
وحسب بيان وزارة الخارجية الروسية فإن سوريا تمكنت بمساعدة روسيا وأعضاء المجتمع الدولي في زمن قياسي ( 6 أشهر) من القيام بعملية غير مسبوقة، ليس لها مثيل طوال تاريخ وجود منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ففي ظروف مكافحة الإرهاب الدولي التي تكونت في أراضيها، تم نقل احتياطات الأسلحة الكيميائية، وجرت التصفية الفعلية خارج سوريا، وانتهت ببعض التأخر، بسبب المشكلات الفنية في نهاية عام 2015 لدى الشركاء الأمريكيين.
ولقد أعلنت الخارجية الروسية أن روسيا الاتحادية قدمت مساهمة كبيرة في إعداد عملية نقل المكونات الكيميائية للأسلحة الكيميائية. وفي فترة قصيرة جرى تنفيذ توريد وسائط النقل واسعة النطاق إلى سوريا. وبالتالي، وحصرا بحسن نية وإرادة الحكومة السورية وتفانيها، فضلا عن المشاركة النشطة للدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، جرت تصفية احتياطات المواد الكيميائية العسكرية السورية برقابة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الصارمة. وقد اكد ذلك رسميا في 4 يناير عام 2016 المدير العام للأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أحمد أوزومجو. وتم حتى الوقت الحالي تصفية 27 منشأة وبنية تحتية عسكرية ـ كيميائية سابقة، الا ان كل هذه الجهود لم تكن كافية لحكومة الولايات المتحدة.
وكانت الناطقة باسم الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا" قد أكدت في تصريح لها بتاريخ 29/6/2017 أن التصريحات الاستفزازية الامريكية المتكررة عن تحضير دمشق "لهجمة كيميائية" موجهة ليس فقط ضد سوريا بل ضد روسيا أيضا. مشيرة إلى أن الوضع يشكل استفزازاً واسع النطاق للدولتين السورية والروسية...
وقد صرحت الخارجية الروسية في هذا الشأن بأنه "مظهر من مظاهر السخرية الخاصة هي التصريحات الجديدة لممثلي الادارة الامريكية بشأن نيتهم تحميل روسيا مسؤولية مزاعم استخدام دمشق للاسلحة الكيميائية على الرغم من ان أميركا نفسها تعترف بأنه لا يوجد دليل يدين الدولتين الروسية والسورية. "
علاوة على ذلك فقد اعلن النائب الاول لرئيس لجنة الدفاع والامن في مجلس الاتحاد الروسي "فرانس كلينتسيفيتش" ان الاجراءات الامريكية في سوريا يمكن ان تهدف الى اقامة دولة منفصلة في سوريا. وقد اضاف مندوب روسيا لدى الامم المتحدة السفير فاسيلي نيبينزيا مدافعا عن نظام الاسد قائلاً: " لا يوجد دليل على تورط النظام في استخدام الاسلحة الكيميائية " وحذر من مغبة الاستجابة للمطالب الأميركية والغربية المتعلقة بايجاد آلية جديدة لمحاسبة المتورطين في استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا. وقد افاد ايضا " لقد عرضوا علينا صياغة نرفضها لمشروع قرارهم....انهم يريدون توريط سوريا لانهم كانوا يسعون الى اصدار قرار بموجب الفصل السابع-بما يعني استخدام القوة العسكرية لتنفيذه- مما يشير الى الهدف الذي يرغبون في تحقيقه".
من الواضح أن سياسة الجمهورية الروسية حققت قفزة استراتيجية هامة في تاريخ الشرق الأوسط عبر سلسلة من الحلقات التحالفية التي أقامتها مع الدول الصديقة والعدوة في آن واحد، فأصبحت قوة عالمية تصدر قرارات دولية من العيار الثقيل الذي قد يهدد عرش طغاة استأثروا بالعالم أجمع. وترى مصادر مطلعة أن الهدف من هذه الادعاءات عن استعمال الأسلحة الكيميائية هدفه تقويض التمدد الروسي في وجه الأحادية الأميركية.
ويرى المحللون أن الاستراتيجية الروسية الجديدة ستقف بثبات ندا قويا أمام غطرسة الرئيس المتهور في البيت الأبيض مما قد يؤثر سلبا على العلاقات الدولية الروسية وخاصة في الشأن الاقتصادي والسياسي، لكن دعمها للسلام الدولي والمناطقي ورفضها للتفرد الاميركي في اتخاذ القرارات جعلها مصرة أكثر على محاربة الاحادية القطبية بغية تغيير نهج السياسة الامريكية والحد من تدمير البشرية.
إن مساعي الولايات المتحدة وحلفائها في اثبات استخدام السلاح الكيميائي من قبل الدولة السورية باءت بالفشل في ظل صمود الدولة السورية وحليفها الروسي في وجه سيناريوهات حيكت من جشع وطمع بعض الدول التي اقترب موعد أفولهَا، فهل ستعمد روسيا نحو التصعيد اكثر واكثر في وجه الغطرسة والتهور الأميركي؟
في ظل هذه الادعاءات ما التصعيد الذي ستقوم به الحكومة الروسية بحق ما صدر ضدها؟
في ظل التطور العسكري الروسي الذي تفوق في العديد من جوانبه على منظومة السلاح الأميركي، هل سيجر جنرالات أميركا الى امتحان صبر الرئيس بوتين؟
ماذا لو تحولت سوريا إلى ساحة حرب تخاض عليها الحرب العالمية الثالثة بين القطب الأميركي والقوة العالمية الروسية؟
أخيرا، يدعي جميع المراقبين أن هذه الاحادية العالمية قد انتهت....
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع