«العرب نحن، لا هُم!»، ختم السيد شبل مقاله في «الأخبار» أول من أمس. الكاتب المصري كان يتحدّث عن طابور المصطفين خلف آل سعود وواشنطن. لكن مضمون نصه يبدو مخاطِباً وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي يرفع في حملته الانتخابية شعار العرب في وجه الفرس، و«الخلاف بين العروبة والفارسية»، على ما قال في خطابه في البيال قبل يومين. نفض المشنوق الغبار عن الشعار الذي كان في خزائن صدام حسين، وينتمي إلى حقبة الحرب العراقية الإيرانية. حينذاك، اكتشف حكام الخليج العروبة، ليصطفوا خلف صدام حسين في مواجهة إيران الثورة. شهدت تلك المرحلة خطاباً خليجياً مزدوجاً: العروبة في وجه الفارسية، والإسلام ضد الشيوعية في أفغانستان. الشعار الأخير استخدمه آل سعود والتابعون لهم بهدف مقاتلة جمال عبدالناصر. حينذاك، كان عبدالناصر يحمل مشروع وحدة عربية. يحمل مشروعاً، وبرنامج عمل، لا مجرد شعار تلوكه الألسن. صحيح أن المشروع فشل، لكن سوء الإعداد للمعركة، وقوة أعدائها، لا يلغي أحقيتها.
منذ أيام عبدالناصر، وقف آل سعود في مواجهة أي مشروع عربي. ومجدداً، المشروع هو غير الشعار. يرفع آل سعود وتابعوهم شعار العروبة. لكن، أين المشروع؟ وما هو برنامج العمل؟ لا فائدة من إعادة البحث عن التعريفات والمفاهيم. العروبة اليوم، لا تعني لكثيرين فكرة مجردة عن هوية مشتركة. العروبة، بمعناها العملي، ليست سوى البحث عن تعزيز المشتركات بين شعوب هذه المنطقة، بما يخدم مصالحهم، أمنياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً، واجتماعياً، وتربوياً وتنموياً، وعلى مستوى البحث العلمي واستغلال الموارد... بهذا المعنى التبسيطي، الأمور شديدة الوضوح. لا صلة بالعروبة لمن يتخلى عن فلسطين، بما هي مفتاح الأمن العربي المشترك، وليس عروبياً من يقرر حصر دوره بخدمة الإمبراطورية الأميركية، وتحويل كل ما وضع يده عليه من ثروات بلادنا إلى المصانع والمصارف الأميركية والبريطانية والفرنسية والإسبانية، بدل استخدامها في تنمية «بلاد العُرب». وليس عربياً من لا يفوّت فرصة لتحطيم أي أفكار أو مشاريع وحدوية، منذ ستينات القرن الماضي.
ليس المقصود هو تلقين المشنوق دروساً هو الأقدر على توزيع شهادات فيها. ولا نتيجة تُرتجى من أي نقاش في شأن الدور الإيراني في المشرق العربي، سواء في مجال الدعم المطلق للمقاومة (في فلسطين ولبنان)، أو دورها في العراق وسوريا واليمن والخليج. لا يمكن إيجاد رؤية مشتركة لهذه الادوار.
لكن، يا معالي الوزير، المعادلة لا تزال كما هي. ولا علاقة لها بالفارسية التي تزعمها لوصف أخصامك ــــ «شركائك»، ولا بالتركية ولا بالإثيوبية ولا بالباكستانية، ولا بغيرها من القوميات والدول الصديقة والجارة. هي بسيطة للغاية: إما أن تكون مع محمد بن سلمان في صفقة بيع فلسطين ومنح الإمبراطورية ما تنتجه بلادنا، أو أن تكون مع مشروع الدفاع عن فلسطين. إما أن تكون مع عبدالناصر، أو مع رافعي شعار الإسلام زوراً لقتل أي فكرة استقلالية في بلادنا. إما أن تكون مع أبي جهاد الوزير ورفاقه يقاتلون العدو في الأرض المحتلة، أو أن تكون مع بندر بن سلطان يدفع أموالنا للـ«سي آي أي» لقتلنا. كل ما عدا ذلك يذهب جفاءً.