في موسم الانتخابات عموما، وقبيل الحدث الانتخابي الآتي في ٦ أيّار، كثُر تداول مصطلح "نزاهة الانتخابات"، وعن تنزيه بعض المرشحين، ذوي التاريخ الحافل باللانزاهة.. لا سيما المندرجة في اطار جمع الاصوات، وترغيب الناخبين. وقد يكون المثال الطازج عنها، المقطع المصور الذي اظهر احد ملائكة تيار المستقبل يتصل بقاضٍ شديد النزاهة، ويحوله الى احد المتهمين بجريمة ليتفقا على تسكير الملف! بكلام آخر، بلغت النزاهة بابن العمة حد التبجّح بـ"المَوْنة" على احد القضاة في اقفال ملف قضائي بهدف انتخابيّ بحت ولا علاقة له بقناعة الملاك او القاضي بصوابية اقفال الملف، او بمظلومية المتهم، ان وجدت او ان اتيح للقضاء ان يتبينها.

هذه الحادثة ليست سوى ما ظهر من الزينة الانتخابية التي اعتاد التيار الازرق على وجه الخصوص اعتمادها منذ بداية مشروع رفيق الحريري في لبنان، وهي تعتبر حادثة هامشية في بلد مثل لبنان، في انتخابات الغاية منها بالدرجة الاولى اظهار الاحجام التي تمثلها مختلف التيارات والاحزاب. منذ ايام "تنكة الزيت" الى يوم "السلفي"، لم يقم هذا المشروع سوى باستغلال وجع الناخبين من جهة، والاستخفاف بعقولهم من جهة اخرى. وقد اكتسب المرشحون الذين خرجوا من تحت سقف بيت الوسط، لخلاف ظرفي او لتناقض في المصالح، هذه الميزة عن الازرق، فرأينا نجيب ميقاتي يقيم خيمة للنقانق واللحم في الازقة التي هوت عن خط الفقر منذ عقود، وما عاد سكانها يجدون الى لقمة الخبز سبيلا. ورأينا آخرين يقومون بإذلال الناس بحجة مساعدتهم..

بكلام ادق، اذلالهم في فقرهم عبر وعدهم بالمساعدة ان هم لبوا الدعوة الى الذل وصوتوا كما شاء لهم "مرشحو الوعود".. الامثلة على "نزاهة الانتخابات" تعددت بتعدد اشكال وجع الناس. تنوعت بتنوع حاجاتهم التي هي بالاصل حقوق لهم اهدرها المشروع الاقتصادي الفاشل الذي بدأه الأب وأكمله الابن. المستشفيات والجامعات والكهرباء وفرص العمل، وتطول اللائحة.. كلمات استحالت وعودا تسكّن الم المناطق التي عضّها الجوع حد الكفر بالوطن.. وتبني للناس هناك احلاما تجعل ليل فقرهم اقل ثقلا، ولو الى حين.

اما عن المال الانتخابي، وعلى الرغم من الاعترافات هنا وهناك عن نيل الرشى الانتخابية، فيبقى الموضوع الساطع والذي "على عينك يا تاجر"، شديد الحساسية لناحية عدم توثيق هذه الرشى وقدرة مرتكبيها على المحاضرة بالعفة كذباً، وتكذيب ما يمكن توثيقه بحيث يصبح الفقير الذي اقر بالحصول على رشوة مقابل صوته هو الضحية الوحيدة، والمتهم الوحيد. كل ذلك لا ينفي كون هذه الانتخابات جزءا من المعركة الكبرى بين مشروعين اثنين، مشروعين يتواجهان بالسلاح في اليمن وسوريا وفلسطين، وفي لبنان يمران اليوم بمعركة اظهار الاحجام الحقيقية لكل منهما..

علما ان الاحجام معروفة وواضحة، ويكفي النظر الى حقيقة من يعامل الناخبين وكأنهم قطيع من الاصوات يجري توجيهه بالاغراءات التي جلها كذب، والى الذي يسمي ناخبوه "اشرف الناس" لنتبين ان واثق الخطوة يمشي في ازقة الانتخابات نزيهاً، منزّها عن خطيئة "الفساد الانتخابي"..

المصدر: خاص

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع