شارك رئيس الجمهورية ميشال عون في حفل إطلاق الدورة الخامسة “مؤتمر الطاقة الإغترابية اللبنانية” في البيال، حيث اعتبر أن “مؤتمرات الطاقة الاغترابية هي من أهم الإنجازات التي تحققت، وأثني على جهود كل القيمين عليها والناشطين فيها وأهميتها تكمن في جمعها للانتشار اللبناني ووصلها إياه ببعضه البعض، فلم يعد اغتراباً مشتتاً في كل دول العالم، بل صار “لبنان المنتشر” الذي يتواصل ويلتقي ويجتمع”.
ورأى عون أن “أهميّة المؤتمرات تكمن في ربط لبنان المنتشر بلبنان المقيم سواء عبر المؤتمرات المتنقّلة التي يتواجد فيها الانتشار اللبناني أو عبر المؤتمر السنوي الذي يعقد في لبنان والهدف واحد، التواصل مع الطاقات اللبنانية في الخارج وتعزيز الروابط بينها وبين لبنان والاستفادة من خبراتها في شتى الميادين”.
ولفت رئيس الجمهورية إلى أن “لبنان مقبل على مرحلة جديدة يؤمل منها الكثير، فالانتخابات النيابية التي جرت منذ أيام انتجت مجلساً نيابياً جديداً، تمثلت فيه كل القوى السياسية وفقاً لأحجامها، وذلك بفضل القانون الانتخابي الجديد الذي اعتمد النسبية لأول مرة في تاريخ لبنان”، مشيرًا إلى أنه “صار لكل لبناني، أينما كان، صوته الفاعل والمؤثر في مجريات السياسة في وطنه. ويبقى، أن يستعمل هو هذا الصوت، فلا يخنقه ويسكته بعد اليوم كما حصل مع القسم الأكبر من مواطنينا في الانتخابات الأخيرة”.
وأضاف: “صحة التمثيل التي يعطيها القانون النسبي ستؤمن استقراراً سياسياً يحتاجه لبنان لمواجهة التحديات التي تنتظره على كل الأصعدة، فالاختلاف في الرأي والموقف من بعض القضايا، وتعارض المقاربات للحلول في بعض المشاكل، سيكون مسرحهما الندوة البرلمانية حيث تتمثل كل الآراء والقوى السياسية.. ولبنان يحتاج اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى إلى المزيد من التضامن بين أبنائه، وإلى تغليب المصلحة الوطنية على أي مصلحةٍ أخرى، فردية كانت أو حزبية أو طائفية”.
وأورد عون أن “أول التحديات، لا بل المخاطر التي تواجهنا هي الوضع الإقليمي والدولي الضاغط؛ فلبنان يعاني من تبعات حرب لا قرار له فيها، والأعباء التي يتحمّلها جراءها تفوق بكثير قدرته على التحمل”.
وفيما يتعلق بقضية النزوح السوري، أوضح أن “لبنان تعاطى مع أزمة النزوح السوري من مبدأ علاقات الأخوة والتضامن الإنساني، ولكن النزوح تحول الى مشكلة ضاغطة تتهدّده من كافة النواحي، خصوصاً بعد أن ازداد عدد القاطنين فيه في فترة وجيزة قرابة ال 50% من سكانه، وهو ثقل تعجز الدول الكبرى عن تحمّله، فكيف بلبنان البلد الصغير المساحة”.
وأعرب عن قلقه في ان تعتزم “المجتمع الدولي بربط عودة النازحين بالتوصل الى حل سياسي”، موضحًا إن “تجارب قضايا الشعوب المهجّرة في العالم، وانتظار الحلول السياسية لا تطمئن أبداً”، وقال إن “بدأت مأساة الشعب الفلسطيني منذ سبعين سنة، في العام 1948 حين انطلقت موجات نزوحه ولجوئه بشكل تصاعدي، حتى فرغت فلسطين من معظم أهلها الذين توزعوا على دول الشتات، وكان للبنان الحصة الأكبر”.
واعتبر أن “أكبر المخاطر التي تواجهنا هي الموقف الدولي بشأن النازحين، والذي عبّر عنه البيان المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الصادر عن مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” الذي انعقد في بروكسيل والذي يؤشر إلى توطين مقنّع يتعارض مع دستورنا ويناقض سيادتنا ولن نسمح به على الإطلاق”، مؤكدًا أن “دوركم محوري، أنتم، يا من تشكلون امتداد لبنان في العالم، خصوصاً وأن بينكم من صوته مسموع في دول القرار، فكونوا قوّة ضغط حضارية، تعمل ضمن القوانين والأنظمة، لإجبار المجتمع الدولي على إعادة النظر في مواقفه.. دور آخر ينتظركم، يتمثّل في إقناع الدول التي تتواجدون فيها بدعم ترشيح لبنان في الأمم المتحدة، ليكونَ مركزاً دائماً للحوار بين مختلفِ الحضارات والديانات والأعراق؛ فلبنان بمجتمعه التعددي هو نقيض الأحادية، وهو نموذج عيش الوحدة ضمن التعددية والتنوع”.
وشدد عون على ضرورة إيلاء الأهمية للنواحي الإقتصادية، قائلا “سينصبّ اهتمامنا في المرحلة المقبلة على الورشة الاقتصادية، وكلّي ثقة بأننا سننجح في هذه المهمة، بخاصة إذا ما تكاتفت كل القوى السياسية بصدق لمواجهة الأزمة، لأنها، لا شك، تتحسّس دقّة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تحاصر مجتمعنا”، لافتًا إلى أن “العمل على الخطة الاقتصادية سينتهي قريباً، وهي ستضع تصوّراً لمعالجة المشاكل القائمة، وتحدد مكامن القوّة في الاقتصاد، وتحدد أيضاً القطاعات المنتجة التي يمكن الاستثمار فيها”.
وأشار إلى أن “لبنان قد أثنبت مصداقيته للمستثمرين المقيمين وغير المقيمين، اللبنانيين وغير اللبنانيين، لجهة تمسّكه الحازم بالحقوق والحريات الاقتصادية الأساسية، بالإضافة الى نظامه المصرفي الذي يلتزم المعايير والأنظمة المصرفية الدولية وكلها، تشكل ضمانة للاستثمار في لبنان”، داعيًا لـ “المساهمة في النهضة الاقتصادية، فتوظفون خبراتكم وإمكاناتكم في سبيل إنجاحها، وتستثمرون في وطنكم، في القطاعات التي تناسبكم.. فأرضنا طيبة، والزرع فيها لا بد أن ينمو ويكبر ويعطي الغلال الوفيرة”.
وختم قائلا “أنتم مِن زَرعِ هذه الأرض، جذوركم هنا وأغصانكم هناك، ويقيني أنكم لن تسمحوا للجذر أن يطاله اليباس، إذ أكثر من يعرف معنى الوطن هو من عرف معنى الغربة”.