يتعامل حزب الله وحركة أمل مع مسألة وزارة المال على أساس أنها «في الجيبة». في المقابل، يصرّ الرئيس سعد الحريري بردّه المتجدّد أمس، على الرئيس نبيه برّي بشأن وزارة المال، على افتتاح بازار التفاوض مبكراً. غير أن الحريري، الذي اختار أمس قصر بعبدا للردّ على تمسك برّي بوزارة المال، رفض بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون «القبول بأعراف جديدة».
«الأعراف الجديدة» يسجّل للحريري أنه كرّسها في السنة الأخيرة بشراكته الكاملة مع الوزير جبران باسيل؛ أوّلها، أن لا تمثّل في الحكومة الكتل التي تحوز أقل من أربعة نوّاب، وهذا ما دفع إلى منح القوميين مقعداً من حصة حزب الله، وطلال أرسلان من حصّة النائب وليد جنبلاط. فحيازة الرئيس الراحل رفيق الحريري لوزارة المال، طوال فترة رئاسته للحكومة، كان عُرفاً كرّسته علاقته بالسوريين، من باب أن «الاقتصاد للحريري». وهذا العرف، يحاول الحريري تعويمه باللازمة نفسها: «الاقتصاد لآل الحريري».
زد على ذلك، ما يُهمس في الصالونات السياسية بأن الحريري قد قطع وعداً بمنح وزارة المال لمحمد الصفدي بالاتفاق مع باسيل، الأمر الذي يجعل برّي وحزب الله يمتلكان عناصر القوّة الكافية لتبرير مطالبتهما بأن تكون هذه الوزارة من حصّة الطائفة الشيعية، على ذات القاعدة التي تضمن للطوائف الأخرى مواقعها في الدولة. «وزارة المال خارج أي نقاش»، الكلام لبرّي نفسه قبل أيام في مصيلح. أمّا حزب الله، فقد بات يؤكّد أن «وزارة المال خارج أي نقاش، وهي خارج معادلة المداورة».
لا تبدو وزارة المال أزمة الحكومة الموعودة فحسب، فالنقاش الحكومي حول توزيع الحصص والأحجام لن يكون سهلاً في ظلّ التكتّلات النيايبة الجديدة؛ فحزب الله، مثلاً، كان دائماً يقبل بأي وزارة، ما دام وجوده شكليّاً وهدفه فقط حماية المقاومة عبر هذه المشاركة. أمّا اليوم، فهو ينشد الانخراط الفعلي في الدولة، ويشدد على دوره في مكافحة الفساد والتنمية والتطوير، وهو أمرٌ لا بد أن يُؤخذ في الحسبان، لا سيّما حول نوع الوزارات التي يطمح إليها.
أمّا مسيحياً، فإن كان «تفاهم معراب» الذي نصّ على المناصفة بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية في الحصص المسيحية في الحكومة قد جرى الانقلاب عليه من قبل التيار الوطني الحرّ، في حكومة الحريري الحالية، فالقوات باتت تستحوذ على كتلة نيابية تخوّلها العودة أو المطالبة على الأقل بشروط الاتفاق السابق. وهذا ينعكس على منصب نائب رئيس الحكومة، ويرتبط مباشرةً بنائب رئيس مجلس النواب، في الوقت الذي يلمح فيه التيار داخل الغرف المغلقة إلى نيّته حصد المنصبين، فيما ستعيد القوات طرح مطلبها بالحصول على وزارة سيادية من اثنتين (الدفاع أو الخارجية)، هما حصّة المسيحيين من أصل الوزارات السيادية الأربع. أمّا النائب سليمان فرنجية، الذي رفض التيار الوطني الحرّ منحه في المرّة الماضية حقيبة وزارية وعاد وحصل على وزارة الأشغال بضغطٍ من برّي وحزب الله، فهو يسعى اليوم لتشكيل كتلة نيابية تصعّب على أخصامه فرصة تخطّي تمثيله حكومياً. وقد تتحوّل وزارة الأشغال نفسها إلى عقدة، وسط طموح أكثر من قوّة سياسية الحصول عليها، لا سيّما التيار الحر.
درزياً، يضع جنبلاط نصب عينيه إخراج النائب طلال أرسلان من الحكومة المقبلة، متسلّحاً بنتائج الانتخابات، فيما سيصرّ التيار الوطني الحرّ على تمثيل أرسلان، ما قد يدفع جنبلاط إلى المطالبة بوزير مسيحي.
وفيما خصّ حصّة الحريري، فإنه لم يعد باستطاعة رئيس الحكومة فرض الشروط نفسها باحتكار تمثيل السنّة في الحكومة، في ظلّ وجود عشرة نوّاب سنّة خارج كتلته، سبعة منهم حلفاء لبري وحزب الله، واثنان يخاصمان الحريري، عدا عن أن المقعد الذي منح سابقاً للقوميين من حصّة أمل وحزب الله، ليس بالضرورة أن يخضع للمعادلة ذاتها، في ظلّ مشروع برّي لتشكيل تكتل نيابي واسع.