هي ليلة اقمار فلسطين.. بل جروحها المضيئة في سمائنا.. تنير الدرب الى الحد الذي نلعن فيه كل ما يبعدنا عن ارض النار وناسها الذين، باللحم الحي، باللحم الحي فقط يواجهون ترسانة متعددة الجنسيات تحت مسمى الصهيونية، وينتصرون.. شهداء كراماً.. حلّ الليل على غزة وسائر الارض المحتلة. والليل عباءة يتخفى فيها الحزن لينهض غضبا ونارا..

ولو بلا سلاح! في عز الوجع، يحضر السؤال الذي يقسم القلب: عشرات بل ربما مئات الشهداء ارتفعوا فيما يحاولون ايصال السلاح الى غزة المعتقلة عبر انفاق الشرف.. هل فعلوا ذلك ليكون القتال عند حدود غزة سلميا بمواجهة المدفعية؟ يكفي النظر في عيون المتظاهرين في غزة اليوم لندرك ان هذا الغضب لو حمل المسدس لغيّر مجرى الصراع وسرّع وتيرة التحرير..

يكفي النظر الى الجمع المقاتل بلحمه وباليقين، بكل فئات الناس، ليتبين لنا ان الجرح العميق والعتيق ما كان ليطول شفاؤه لو ان من خبأ السلاح سلّمه لمن يرغب بالقتال، وما اكثر الابطال! بالتزامن مع الجرح الغزيّ، كان الصهاينة يحتفلون بنقل سفارة اميركا الى القدس، في خطوة يريد الغرب الصهيوني من خلالها تعرية القدس من روحها العربية.. وبغض النظر عن ان هذا الامر هو تفصيل لن يعيق المقاومة ولا المقاومين، ولن يخفف من وتيرة الغضب الفلسطيني بل قد يزيده، الا ان المسألة بأبعادها الاعلامية على الاقل تشكل جرحا جديدا في الوجه المقدسي..

وكل فلسطين القدس لأنها عاصمة البلاد، العاصمة العربية المحتلة والتي تعرضت لألف خيانة.. ولا نقصد هنا التخاذل العربي فالضرب في الجثة لا يفيد.. هو يعني كل من سوّلت له نفسه ان يصدق ولو للحظة ان بإمكان الحل ان يكون سلميا.. وان ثمة طريقا غير التي يرسمها الرصاص ستعيد الدار الى اهلها.. في المشهدين، كانت فلسطين النجمة المكللة بدمها وبيقينها بحريتها..

وكانت الحد الذي وضع الفواصل بين الوطني وبين الخائن.. وكانت الوطن الاخير الذي يحررنا جميعا من الم العجز عن القتال.. في المشهدين، بدا الوجه الفلسطيني مضرجا بالغضب ومحاطا بالنار.. سقطت اقنعة النفاق التي تقاتلت حول ابوة القضية الفلسطينية.. ما عادت ترضى فلسطين ان تكون القضية التي يتسلق شعاراتها المنافقون ويكتب تاريخها الابطال..

كرّست فلسطين حقيقة كونها هوية الاحرار مهما اختلفت جنسياتهم، تماما كما تكرست حقيقة ان ليس كل من يحمل الجنسية الفلسطينية هو فلسطيني الجدارة والبطولة، وتماما كما اصبح من الواضح حد الوقاحة انضمام الكثير من "عرب القضية" الى الصهيونية بالفكر وبالممارسة، فأصبح ال سعود مثلا يجارون "قادة الصهاينة" بالقدرة على التصهين، ان صح التعبير.. هو ليل آخر، حافل بحكايات اكثر من خمسين قمرا بطلا قاتل بروحه وكتب بدمه ان فلسطين حرة، منتصرة، عزيزة بطلة.

المصدر: خاص

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع