التسويات الضريبية تصطدم بحائط «الدستوري»

أنهى المجلس الدستوري النقاش الدائر في شأن المادة 26 من قانون موازنة 2018 بإبطالها. هي المادة التي نصت على السماح للمكلفين بضريبة الدخل إجراء تسوية ضريبية عن الأعوام 2011 إلى 2016. 
بمادة مرت عرضاً في قانون الموازنة، لم تتردد الحكومة، ومن خلفها مجلس النواب، في مخالفة الدستور الذي ينص على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. 
ولولا هذا القرار، فإن خسائر بمئات ملايين الدولارات كان يمكن أن تتكبدها الخزينة بحجة تحفيز المتخلّفين عن دفع الضريبة على تسوية أوضاعهم، وبحجة الحصول، عبر هذه التسويات، على إيرادات إضافية للموازنة. طبعاً رائحة الفساد فاحت من هذه المواد، خصوصاً أن لا موجب مالياً لها أو قانونياً.
المساواة بين المواطنين تتحقق في حالتين، الأولى، إعطاء المكلف الذي سدد موجباته حق استرداد ما دفعه، وهو خيار يؤدي إلى إفلاس الدولة، والثاني، احترام القانون وتطبيقه على المكلفين المتخلّفين. أي أمر آخر هو مخالفة دستورية. هذا تحديداً ما خلص إليه المجلس الدستوري بإشارته إلى أن «المادة 26 أعفت مكلفين تخلفوا عن القيام بواجباتهم بتسديد الضرائب المفروضة عليهم، من جزء من هذه الضرائب، بينما سدد المكلفون الذين هم في موقع قانوني مماثل لهم الضرائب التزاماً منهم بتنفيذ القانون».
ورأى المجلس أن «المادة 26 لم تميز بين اللبنانيين وحسب، إنما ميزت بينهم لمصلحة المتخلفين عن القيام بواجبهم بتسديد الضرائب المتوجبة عليهم، وإعفائهم من جزء منها». ورأى أن هذه المادة تنتهك مبدأ العدالة الاجتماعية، وتشجع المواطنين على التخلف عن تسديد الضرائب المتوجبة عليهم.
كما كان لافتاً اعتبار المجلس أن هذه التسوية تؤدي إلى التفريط بالمال العام وبالتالي زيادة العجز في الموازنة العامة في وقت تزداد الضرائب والرسوم على سائر المواطنين بحجة تغذية الموازنة وتخفيض العجز المتنامي فيها.

لا مكان لفرسان الموازنة
ويتعارض نص المادة 26 المؤلف من ست صفحات في الجريدة الرسمية، بحسب «الدستوري»، مع الأصول التشريعية أيضاً، إذ «لا علاقة له بالموازنة لا لجهة تقدير النفقات والواردات ولا لجهة تنفيذ الموازنة ولا لجهة مبدأ سنوية الموازنة».
وإذ وصف هذا البند بأنه من «فرسان الموازنة» (المواد الدخيلة على الموازنة والتي يجب أن تصدر بقوانين مستقلة، لا سيما تلك التي تعتبر تعديلاً لقوانين موجودة)، فإن مواد أخرى أبطلها المجلس للسبب نفسه، وأبرزها المادة 49 التي تعطي الأجنبي حق الإقامة في حال تملكه وحدة سكنية في لبنان. كما أبطل «الدستوري» مواد اعتبر أنه من غير الجائز أن تكون ضمن قانون الموازنة وهي التالية: 
المادة 14: تعيين الهيئات الناظمة ومجالس إدارة المؤسسات العامة خلال مدة ستة أشهر من تاريخ نشر القانون.
المادة 35: إعطاء الإمكانية لمالك العقار تسوية مخالفات البناء المرتكبة على عقاره.
المادة 43: إلغاء عدد من المؤسسات العامة والمصالح المستقلة.
المادة 51 : تعديل دوام العمل الأسبوعي للموظفين في القطاع العام.
المادة 52 : تحديد العطلة القضائية.
لكن هذه القاعدة لم يطبقها المجلس على طلب إبطال الفصل الثالث من الموازنة والمتعلق بالتعديلات الضريبية، أنطلاقاً من أن «قانون الموازنة هو النص المتضمن إقرار السلطة التشريعية لمشروع الموازنة ويحتوي على أحكام أساسية وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذها»، فخلص إلى أنه «لا مبرر دستورياً أو قانونياً لإبطال الفصل الثالث (التعديلات الضريبية)».
وكان لافتاً أن رد المجلس للطعن في المادة 13 المتضمنة إعطاء سلفة خزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان، وكذلك في طلب إبطال الفصل الثاني من الموازنة الذي يتناول قوانين البرامج وتعديلاتها، والتي تتخطى عادة سنوية الموازنة، مستنداً إلى الاجتهاد الدستوري الذي أجاز مثل هذه القوانين، استثناءً لمبدأ السنوية. كما أجاز تخويل الحكومة حق التعهد بنفقات إجمالية معينة خلال عدد من السنوات، لأن سنوية الموازنة تحول دون التعاقد على تنفيذ هذه المشاريع.

عدم التقيد بالمهل لا يبطل الموازنة
أما في ما يتعلق بمخالفة القانون للمادتين 32 و83 من الدستور وللفقرتين (ج) و(د) منه، أي وجوب احترام المهل الدستورية لإقرار الموازنة، فقد اعتبر المجلس من جهة، أن احترام المهل يحافظ على انتظام المالية العامة ويحقق المصلحة الوطنية العليا، كما يهدف إلى منع التباطؤ في إعداد الموازنة لما لذلك من أثر خطير على المالية العامة وانتظامها، إلا أنه من جهة أخرى خلص إلى إن «عدم التقيد بالمهل الدستورية يشكل انتهاكاً للدستور، غير أنه لا يشكل سبباً لإبطال الموازنة».

المصدر: جريدة الأخبار - إيلي الفرزلي